منتدى عشاق النبي
نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 829894
ادارة المنتدي نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 103798
منتدى عشاق النبي
نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 829894
ادارة المنتدي نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 103798
منتدى عشاق النبي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


سنة نبينا هي طريقنا .
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:46

سورة البقرة

(قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل
لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون "33")


فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يرد على ملاحظة الملائكة بالنسبة لخلق آدم
وخلافته في الأرض، وأن الله سبحانه وتعالى في حكمته ما يخفي عليهم. ولذلك فهم لم
يدركوا هذه الحكمة.
وقبل أن يخلق الله آدم ويجعله خليفة في الأرض .. كان على
علم بكل ما سيحدث من آدم وذريته حتى قيام الساعة. وبعد قيام الساعة، أما الملائكة.
فهم لم يكونوا على علم بذلك. لأن هذا ليس عملهم. وكما قلنا: كل ميسر لما خلق له.

ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطي للملائكة الصورة بأنكم قد حكمتم على آدم
إما من تجربة لجنس آخر عاش في الأرض، وإما من ضرب بالغيب. والمقياسان غير صحيحين.
ولذلك ميز الله سبحانه في هذه اللحظة آدم على الملائكة فعلمه أسماء المسميات كلها،
ثم طلب من الملائكة أن يخبروه بهذه الأسماء. ولكنهم قالوا: أن العلم من الله وحده.
وبما أن الله تعالى لم يعلمهم الأسماء فإنهم لا يعرفونها. فطلب الله من آدم أن
يخبرهم بأسماء هذه المسميات فأخبرهم بها.
ولكنه لم يخبرهم بها بذاته ولا من
قانونه. ولا بعلم علمه وحده. ولكنه أخبرهم بتعليم الله سبحانه وتعالى له. وفي ذلك
يقول الله تعالى:

{نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علمٍ عليم}
(من الآية
76 سورة يوسف)

إذن فعلم آدم للأسماء كان بمشيئة الله سبحانه وتعالى. وهذه
المشيئة وحدها هي التي جعلت آدم في ذلك الوقت يعلم ما لا تعلمه الملائكة .. وهنا رد
الحق سبحانه وتعالى على قول الملائكة بأن آدم سيفسد في الأرض. فذكرهم الله تعالى
بقوله: "ألم أقل لكم أني أعلم غيب السماوات والأرض" أي أن الله سبحانه وتعالى وحدة
هو الذي يعلم الغيب.

والغيب هنا هو الغيب المطلق. فهناك غيب نسبي. قد تسرق
حافظة نقودي مثلا وأنا لا أعلم من الذي سرقها فهو غيب عني. ولكنه معلوم للذي سرق،
وللذي سهل له طريقة السرقة بأن حرس له الطريق حتى يسرق دون أن يفاجئه أحد. وقد يكون
قد صدر قرار هام بالنسبة لي كترقية أو فصل أو حكم. لم يصلني. فأنا لا أعلمه. ولكن
الذي وقع القرار أو الحكم يعلمه.
هذا الغيب النسبي. لا يعتبر غيبا. ولكن الغيب
المطلق هو الذي ليس له مقدمات تنبئ عما سيحدث .. هذا الغيب الذي يفاجئك. ويفاجئ كل
من حولك بلا مقدمات .. هذا الغيب لا يعلمه إلا الله وحده.

وقوله تعالى:
"وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" .. تعطينا هنا وقفة. هل الملائكة قالوا لله
سبحانه وتعالى: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء نحن نسبح بحمدك ونقدس لك" هل
قالها الملائكة فعلا وجهرا، أم أنهم قالوها في أنفسهم ولم ينطقوا بها
..

قوله تعالى "وما كنتم تكتمون" تعطينا إشارة إلي أن الملائكة ربما قالوا
هذا سرا. ولم يبدوه، وعلى أية حال. سواء قالوه جهرا. أو قالوه سرا. فقد علمه الله.
لأن جل جلاله .. بكل شيء محيط. ولا نريد لهذه النقطة أن تثير جدلا .. لماذا؟ لأنه
في الحالتين .. سواء في الجهر أو في الكتمان .. فإن الموقف يتساوى عند علم الله
سبحانه وتعالى .. فلا داعي للجدل لأنه لا خلاف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:47

(وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين
"34")

أصدر الله تعالى أمره للملائكة ليسجدوا لآدم. وهذه القضية أخذت جدلا
طويلا. قال بعض الناس: كيف يسجد الملائكة لغير الله؟ والسجود لله وحده. وقال آخرون:
هل معنى سجود الملائكة لآدم أنهم عبدوه؟ وقالت فئة أخرى: السجود لغير الله لا يجوز
تحت أي ظرف من الظروف.

نقول لهؤلاء: أنكم لم تدركوا المعنى، فالله سبحانه
وتعالى بعد أن ميز آدم على الملائكة بعلم الأسماء .. طلب منهم أن يسجدوا لآدم، وهنا
لابد أن نعرف أن السجود لآدم .. هو إطاعة لأمر الله .. وليست عبادة لآدم. فالله
سبحانه وتعالى هو الذي أمر الملائكة بالسجود. ولم يأمرهم بذلك آدم. ولا يحق له أن
يأمرهم. فالأمر بالسجود هنا من الله سبحانه وتعالى، من أطاعه كان عابدا. ومن لم
يطعه كان عاصيا. ومن رد الأمر على الأمر كان كافرا.

ولكي نفهم معنى العبادة
نقول: أن العبادة هي طاعة أوامر الله. واجتناب نواهيه. فما قال لي الله: افعل. فإني
افعل. وما قال: لا تفعل. فإنني لا افعل .. لأن العبادة هي طاعة مخلوق لخالقه في
أوامره ونواهيه. ولذلك عندما نذهب إلي الحج فأننا نقبل الحجر الأسود في الكعبة،
ونرجم الحجر الذي يمثل إبليس في منى. نقبل حجرا ونرجم حجرا .. هذا هو معنى عبادة
الله واتباع منهجه. كما أمرنا نفعل.

لا شيء مقدس عندنا .. إلا أمر الله
ومنهجه. الملائكة هنا لم يسجدوا لآدم. ولكنهم سجدوا لأوامر الله بالسجود لآدم. وفرق
كبير بين السجود لشيء، وبين السجود لأمر الله. السجود لأمر الله سبحانه وتعالى ..
لا يعتبر خروجا على المنهج، لأن الأساس هو طاعة الله. وهل سجد كل الملائكة لآدم؟
لا. وإنما سجد لآدم الملائكة الذين لهم مهمة معه، وتلك المهمة قد أوضحها الله
سبحانه وتعالى في قوله:

{وإن عليكم لحافظين "10" كراماً كاتبين "11" يعلمون
ما تفعلون "12"} (سورة الإفطار)

وقوله سبحانه:

{وما يلفظ من قول
إلا لديه رقيب عتيد "18"} (سورة ق)

وقوله سبحانه:

{فالمدبرات أمراً
"5"} (سورة النازعات)

إذن هناك من الملائكة من سيسجل على الإنسان أعماله.
وكل قول يقوله وكل فعل يفعله. بل ويكتبون هذه الأفعال. ومنهم من يحفظه من الشياطين،
ومنهم من ينفذ أقدار الله في الأرض. هؤلاء جميعا لهم مهمة مع الإنسان. ولكن الأمر
بالسجود لم يشمل أولئك الملائكة العالين من حملة العرش وحراس السماء وغيرهم ممن
ليست لهم مهمة مع الإنسان. ولذلك عندما رفض إبليس السجود. قال له الله تعالى:


{قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين
"75"} (سورة ص)


قوله تعالى .. كنت من العالين ـ أي أنك كنت من الملائكة
العالين .. الذين لم يشملهم أمر السجود. إذن فأمر السجود لآدم .. كأمر الله لنا
بالسجود إلي القبلة في الصلاة. فنحن لا نسجد للقبلة ذاتها .. ولكننا نسجد لأمر الله
بالسجود إلي القبلة .. سجد الملائكة الذين شملهم أمر السجود لأمر الله سبحانه
وتعالى .. ولكن إبليس رفض أن يسجد. وعصى أمر الله. بعض الناس يقولون: أن إبليس لم
يكن من الذين أمرهم الله تعالى بالسجود لأن الأمر شمل الملائكة وحدهم .. وإبليس ليس
ملكا. ولكنه من الجن. كما يروي لنا القرآن الكريم في قوله تعالى:

{إلا
إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } (من الآية 50 سورة الكهف)

ونقول: أن
كون إبليس من الجن هو الذي جعله يعصي أمر الله بالسجود. فلو أن إبليس كان من
الملائكة ـ وهم مقهورون على الطاعة ـ كان لابد أن يطيع أمر الله ويسجد. ولكن كونه
من الجن الذين لهم اختيار في أن يطيعوا وأن يعصوا فذلك الذي مكنه أن يعصي أمر
السجود. ولذلك فإن الذين يأخذون من الآية الكريمة أن إبليس كان من الجن. بأنه لم
يشمله أمر السجود. نقول لهم: أن الحق سبحانه وتعالى قد اخبرنا عن جنس إبليس حتى
نفهم من أي باب إلي المعصية دخل .. ذلك أنه دخل من باب الاختيار الممنوح للإنس
والجن في الحياة الدنيا وحدها، ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون إبليس مقهورا
على الطاعة ما كان يستطيع أن يعصي. ولكن معصيته جاءت من أنه خلق مختارا ..
والاختيار هو الباب الذي دخل منه إلي المعصية هذه حقيقة يجب أن نفهمها. ولذلك يرد
الحق سبحانه وتعالى على كل من سيخطر بباله أن أمر السجود لم يشمل إبليس لكونه من
الجن لقوله سبحانه وتعالى:

{قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك} (من الآية 12
سورة الأعراف)

وكان كفر إبليس وخلوده في النار أنه رد الأمر على
الأمر.

وقال: {ءأسجد لمن خلقت طيناً} (من الآية 61 سورة الإسراء)


وقد كان وجود إبليس مع الأعلى منه وهم الملائكة. مبررا اكبر للسجود. فمادام
قد صدر الأمر إلي الأعلى بالسجود فإنه ينطبق على الأدنى. وقد كان إبليس كما جاء في
الأثر يسمى طاووس الملائكة .. وكان يزهو بخيلاء بينهم .. وهذه الخيلاء أو الكبر هو
الذي جعله يقع في المعصية، ولأن إبليس خلق مختارا. فقد كان مزهوا باختياره لطاعة
الله .. قبل أن يقوده غروره إلي الكفر والمعصية. ولذلك لم يكد يصدر الأمر من الله
بالسجود لآدم. حتى امتنع إبليس تكبرا منه .. ولم يجاهد نفسه على طاعة الله ..


فمعصية إبليس هي معصية في القمة. لأنه رد الأمر على الآمر وظن أنه خير من
آدم .. ولم يلتزم بطاعة الله، ومضى غروره يقوده من معصية إلي أخرى. فطرده الله من
رحمته وجعله رجيما. ولما عرف إبليس أنه طرد من رحمة الله طلب من الله سبحانه وتعالى
أن يبقيه إلي يوم الدين، وأقسم إبليس بعزة الله أن يغري بني آدم .. حدد الأماكن
التي يأتي منها الإغواء. فقال:

{ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن
أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين "17"}
(سورة الأعراف)

نلاحظ
هنا أن الجهات بالنسبة للإنسان ستة. اليمين والشمال. والأمام والخلف وأعلى وأسفل،
ولكن إبليس لم يذكر إلا أربعة فقط. أما الجهتان الأخيرتان وهما الأعلى والأسف. فلا
يستطيع إبليس أن يقترب منهما. أما الأسفل فهو مكان السجود والخضوع لله. وأما الأعلى
فهو مكان صعود الصلاة والدعاء. وهذان المكانان لا يستطيع إبليس أن يقترب منهما.
وهكذا نرى أن إبليس لم يمتنع عن السجود فقط. وإنما رد الأمر على الآمر. وهذا أول
الكفر. ثم بعد ذلك مضى في غيه فتوعد آدم وذريته بأن يضلهم عن سبيل الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:47

(وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه
الشجرة فتكونا من الظالمين "35")

بعد أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم وأمر
الملائكة أن تسجد له وحدث كفر إبليس ومعصيته أراد الله جل جلاله أن يمارس آدم مهمته
على الأرض. ولكنه قبل أن يمارس مهمته أدخله الله في تجربة عملية عن المنهج الذي
سيتبعه الإنسان في الأرض، وعن الغواية التي سيتعرض لها من إبليس. فالله سبحانه
وتعالى رحمة منه لم يشأ أن يبدأ آدم مهمته في الوجود على أساس نظري،
لأن هناك
فرقا بين الكلام النظري والتجربة.
قد يقال لك شيء وتوافق عليه من الناحية
النظرية ولكن عندما يأتي الفعل فأنك لا تفعل شيئا.

إذن فالفترة التي عاش
فيها آدم في الجنة كانت تطبيقا عمليا لمنهج العبودية، حتى إذا ما خرج إلي مهمته لم
يخرج بمبدأ نظري، بل خرج بمنهج عملي تعرض فيه لا فعل ولا تفعل. والحلال والحرام،
وإغواء الشيطان والمعصية. ثم بعد ذلك يتعلم كيف يتوب ويستغفر ويعود إلي الله.
وليعرف بنو آدم أن الله لا يغلق بابه في وجه العاصي، وإنما يفتح له باب التوبة.


والله سبحانه وتعالى أسكن آدم الجنة. وبعض الناس يقول: أنها جنة الخلد التي
سيدخل فيها المؤمنون في الآخرة. وبعضهم قال: لولا أن آدم عصى لكنا نعيش في الجنة.
نقول لهم لا .. جنة الآخرة هي للآخرة ولا يعيش فيها إنسان فترة من الوقت ثم بعد ذلك
يطرد منها بل هي كما أخبرنا الله تعالى جنة الخلد .. كل من دخلها عاش في نعيم أبدي.


إذن فما هي الجنة التي عاش فيها آدم وحواء؟ هذه الجنة هي جنة التجربة أو
المكان الذي تمت فيه تجربة تطبيق المنهج. ونحن إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن الحق
سبحانه وتعالى قد أطلق لفظ الجن على جنات الأرض. والجنة تأتي من لفظ "جن" وهو
الستر، ذلك أن فيها أشجارا كثيفة تستر من يعيش فيها فلا يراه أحد. وفيها ثمرات
تعطيه استمرار الحياة فلا يحتاج إلي أن يخرج منها. ونجد في القرآن الكريم قوله
تعالى:

{إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصر منها مصبحين
"17" ولا يستثنون "18" }
(سورة القلم)

وهذه قصة الأخوة الذين كانوا
يملكون جن من جنان الأرض فمنعوا حق الفقير والمسكين واليتيم، فذهب الله بثمر الجنة
كلها وأحرق أشجارها. وهناك في سورة الكهف قصة صاحب الجنتين: في قوله تعالى:


{واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل
وجعلنا بينهما زرعاً "32"}
(سورة الكهف)

وهي قصة ذلك الرجل الذي أعطاه
الله جنتين .. فبدلا من أن يشكر الله تعالى على نعمه .. كفر وأنكر البعث والحساب.
وفي سورة سبأ اقرأ قوله تعالى عن أهل سبأ الذين هداهم الله وبين لهم الطريق
المستقيم ولكنهم فضلوا الكفر. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{لقد كان لسبأٍ في
مسكنهم آية جنتان عن يمينٍ وشمالٍ كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طبيبة ورب غفور
"15" فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثل
وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ "16" ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزي إلا الكفور "17"} (سورة
سبأ)

وهكذا نرى أن الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قد أطلق لفظ الجنة
على جنات الدنيا، ولم يقصره على جنة الآخرة. إذن فآدم حين قال له الله سبحانه
وتعالى:

{اسكن أنت وزوجك الجنة} (من الآية 19 سورة الأعراف)

فهي
ليست جنة الخلد وإنما هي جنة سيمارس فيها تجربة تطبيق المنهج. ولذلك لا يقال: كيف
دخل إبليس الجنة بعد أن عصى وكفر، لأن هذه ليست جنة الخلد ولابد أن تنتبه إلي ذلك
جيدا حتى لا يقال أن معصية آدم هي التي أخرجت البشر من الجنة. لأن الله تعالى قبل
أن يخلق آدم حدد مهمته فقال:

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض
خليفة} (من الآية 30 سورة البقرة)

فآدم مخلوق للخلافة في الأرض ومن صلح من
ذريته يدخل جنة الخلد في الآخرة، ومن دخل جنة الخلد عاش في النعيم خالدا. والحق
سبحانه وتعالى يقول: "وكلا منها رغدا حيث شئتما" فالله سبحانه وتعالى أم الجنة التي
سكنها آدم وحواء بكل ما يضمن استمرار حياتهما، تماما كما خلق كل النعم التي تضمن
استمرار حياة آدم وذريته في الأرض قبل أن تبدأ الحياة البشرية على
الأرض.

فالله سبحانه وتعالى له عطاء ربوبية فهو الذي خلق. وهو الذي أوجد من
عدم، ولذلك فقد ضمن لخلقه ما يعطيهم استمرار الحياة على الأرض من ماء وهواء وطعام
ونعم لا تعد ولا تحصى فكأن الله تعالى قد أمد الجنة التي سكن فيها آدم وزوجته بكل
عوامل استمرار حياتهما قبل أن يسكناها. كما أمد الأرض بكل وسائل استمرار حياة
الإنسان قبل أن ينزل آدم إليها.

إذن فقوله تعالى: "ويا آدم اسكن أنت وزوجك
الجنة".هذه فترة التدريب على تطبيق المنهج. والسكن هو المكان الذي يرتاح فيه
الإنسان ويرجع إليه دائما. فأنت قد تسافر فترات، وكل الدول التي تمر بها خلال سفرك
لا تعتبر سكنا إلي أن تعود إلي بيتك، فهذا هو السكن والرجل يكد ويتعب في الحياة
وأينما ذهب فإنه يعود مرة أخرى إلي المكان الذي يسكنه ليستريح فيه.

وقوله
تعالى: "ولا تقربا هذه الشجرة" هو استكمال للمنهج. فهناك أمر ونهي افعل ولا تفعل:
"اسكن أنت وزوجك الجنة" أمر: "وكلا منها رغدا" أمر، "ولا تقربا هذه الشجرة" نهي
وهذا أول منهج يعلم الإنسان الطاعة لله سبحانه وتعالى والامتناع عما نهى عنه، وكل
رسائل السماء ومناهج الله في الأرض أمر ونهي .. افعل كذا ولا تفعل كذا.


وهكذا فأن الحق سبحانه وتعالى ضمن لآدم الحياة، وليست الحياة فقط ولكن
رغدا. أي مباحا ولا تعب وعن سعة وبدون مشقة. كما أننا نلاحظ هنا أن المباح كثير
والممنوع قليل. فكل ما في الجنة من الطعام والشراب مباح لآدم، ولا قيد إلا على شيء
واحد .. شجرة واحدة من بين ألوف الأشجار التي كانت موجودة في الجنة .. شجرة واحدة
فقط هي الممنوعة. وإذا نظرت إلي منهج السماء إلي الأرض تجد أن الله سبحانه وتعالى
قد أباح فيه نعما لا تحصى ولا تعد وقيد فيه أقل القليل .. فالذي نهانا الله عنه
بالنسبة لنعم الأرض هو أقل القليل، كما كان في جنة آدم شجرة واحدة والمباح بعد ذلك
كثير.

وإذا أخذنا ألفاظ العبارات نجد أن الله سبحانه وتعالى ساعة يقول:
"قلنا يا آدم" أتى بضمير "نا" ضمير الجمع، لأن الله واحد أحد، ولكنهم يسمونها: نون
الكبرياء ونون العظمة.
إذن فكل حدث يأتي فيه الحق تبارك وتعالى بنون الكبرياء
ونون التعظيم. لأن كل فعل من الأفعال يحتاج إلي صفات متعددة حتى يتم. فأنت إذا أردت
أن تفعل شيئا فأنه يقتضي منك قوة ويقتضي منك علما ويقتضي منك قدرة ويقتضي منك حكمة
.. إذن فهناك صفات كثيرة موجودة يقتضيها الفعل.

ولكن حين يتكلم الحق سبحانه
وتعالى عن شهادة التوحيد يقول "إنني أنا الله" ولا يقول: إنما نحن الله .. لأنه جل
جلاله. يريد توحيدا. ففي موقع التوحيد يأتي بضمير الإفراد واحد أحد .. أما في صدر
الأحداث. فيأتي بضمير الكبرياء والعظمة. واقرأ قوله تعالى:

{والسماء
بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون "47"} (سورة الذاريات)

وعندما أراد الحق تبارك
وتعالى أن يمتدح إبراهيم قال: "أن إبراهيم كان أمة" ما معنى أمة؟ أي جامعا لصفات
الخير التي لا تجتمع في فرد ولكنها تجتمع في أمة. فالأمة تجتمع فيها صفات الخير ..
هذا متميز بالصدق، وذلك بالشجاعة. وهذا بالحلم. فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يقول
أن إبراهيم كان أمة أي أنه كان جامعا لصفات الخير. وفي قوله "قلنا يا آدم" آدم اسم
علم على المسمى الذي هو أول خلق الله من البشر "واسكن" تحتاج إلي عنصرين: الهدوء
والاطمئنان .. هذا هو معنى اسكن. توفير الهدوء والاطمئنان، ومنه أخذ اسم السكن.
وكلمة المسكن وأطلق على الزوجة .. وإذا فقد المكان الذي تسكن فيه عنصرا من هذين
العنصرين وهما الهدوء والطمأنينة لا يقال عليه مسكن. والزوجة سميت سكنا كما جاء في
قوله تعالى:

{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل
بينكم مودة ورحمة}
(من الآية 21 سورة الروم)

لأن الهدوء والرحمة
والبركة تتوافر في الزوجة الصالحة. والحق سبحانه وتعالى يقول:

{وصل عليهم
إن صلواتك سكن لهم}
(من الآية 103 سورة التوبة)

أي راحة واطمئنانا
ورحمة. فالإنسان يريد في بيته أن تكون الحياة فيه مريحة له من عناء العمل وصخب
الحياة. ويقول الحق سبحانه وتعالى: "اسكن أنت وزوجك" وكان من الممكن أن يقول اسكن
وزوجك لأن الفاعل في فعل الأمر دائما مستتر. ولكنه سبحانه قال: اسكن أنت وزوجك ..
وإياك أن تظن أن أنت هو فاعل الفعل اسكن. ولكنه ضمير جاء ليفصل بين اسكن وبين زوجك
حتى لا يعطف الاسم على الفعل. أننا لابد أن نلاحظ أن كلمة زوج تطلق على الفرد ومعه
مثله. ولذلك لم يأت بتاء التأنيث .. اسكن أنت وزوجتك. لأن الأمر التكليفي من الله.
سواء فيه الذكر والأنثى. واقرأ قوله تعالى:

{ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو
أنثى وهو مؤمن} (من الآية 40 سورة غافر)

إذن فهما متساويان في هذه الناحية.
هذه الجنة ماذا وفر الله سبحانه وتعالى لآدم وزوجه فيها؟ اقرأ قوله تبارك وتعالى:


{إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى "118" وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى "119"}
(سورة طه)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:47

هذه عناصر الحياة التي وفرها الله لآدم وزوجه في جنة التجربة الإيمانية العملية على
التكليف. وهكذا نرى من الأوصاف التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنا لهذه الجنة أنها
ليست جنة الآخرة. لأنه أولا فيها تكليف. في قوله تعالى: "ولا تقربا هذه الشجرة"
وجنة الآخرة لا تكليف فيها، والحق تبارك وتعالى أباح لآدم وحواء أن يأكلا كما
يشاءان من الجنة. والجنة فيها أصناف كثيرة متعددة. ولذلك قال: "حيث شئتما" وأنت لا
تستطيع أن تقدم لإنسان صنفا أو صنفين وتقول له كل ما شئت. لأنه لا يوجد أمامه إلا
مجال ضيق للاختيار، كما أن قلة عدد الأصناف تجعل النفس تمل. ولذلك لابد أن يكون
هناك أصناف متعددة وكثيرة.

ثم جاء النهي. في قوله تعالى: "ولا تقربا هذه
الشجرة" أي لا تقتربا من مكانها. ولكن لماذا لم يقل الحق سبحانه وتعالى ولا تأكلا
من هذه الشجرة؟. لأن الله جل جلاله رحمة بآدم وزوجه كان لا يريدهما أن يقعا في
غواية المعصية. فلو أنه قال: ولا تأكلا من هذه الشجرة لكان مباحا لهما أن يقتربا
منها فتجذبهما بجمال منظرها ويقتربا من ثمارها فتفتنهما برائحتها العذبة ولونها
الجذاب. حينئذ يحدث الإغواء. وتمتد أيديهما تحت هذا الإغراء إلي الشجرة ليأكلا
منها.
ولكن الله تعالى يعلم أن النفس البشرية إذا حرم عليها شيء ولم تحم حوله
كان ذلك أدعى ألا تفعله. فالله تعالى حين حرم الخمر لم يقل حرمت عليكم الخمر وإلا
كنا جلسنا في مجالس الخمر ومع الذين يشربونها. أو نتاجر فيها وهذا كله إغراء بشرب
الخمر .. ولكنه قال:

{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون "90"} (سورة المائدة)


هذا النص الكريم قد جعلنا نبتعد عن الأماكن التي فيها الخمور. فلا نجلس مع
من يشربونها، ولا نتاجر فيها حتى لا نقع في المعصية. فإذا رأيت مكانا فيه خمر
فابتعد عنه في الحال. حتى لا يغريك منظر الخمر وشاربها بأن تفعل مثله.
والحق جل
جلاله يقول في المحرمات: "لا تقربوا واجتنبوا .. أي لا تحوموا حولها. لأنها إذا
كانت غائبة عنك فلا تخطر على بالك فلا تقع فيها. ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه
وسلم:
(إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من
الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملكٍ حمى حمى الله محارمه)

ولقد كان بعض الناس يقبلون على شرب الخمر ويقولون أنه لم يرد فيها تحريم صريح
.. فلم تأت مسبوقة بكلمة حرمت .. نقول أن كلمة اجتنبوا. أشد من التحريم. فقوله
تعالى: "اجتنبوا الرجس من الأوثان" معناه ألا تنظر حتى إلي الصنم. واجتناب الخمر
ألا تقع عينك عليها .. وقد اختلف الناس في نوع هذه الشجرة. وهل هي شجرة تفاح أو تين
أو عنب أو غير ذلك. ونحن نقول: ليس هذا هو المقصود. ولكن المقصود هو التحريم. لأن
منهج الله سبحانه وتعالى يحلل أشياء. ويحرم أشياء.

وقوله تعالى: "فتكونا من
الظالمين" الظلم هو الجور والتعدي على حقوق الغير. والظالم هو من أخذ فوق ما يستحقه
بغير حق. والظلم يقتضي ظالما ومظلوما وموضوعا للظلم. فكل حق ـ سواء كان ماديا أو
معنويا ـ يعتدي عليه إنسان بدون حق فقد حمل ظلما. حتى الإنسان أنه أحيانا يظلم
نفسه. واقرأ قوله تعالى:

{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا
الله} (من الآية 135 سورة آل عمران)

كيف يظلم الإنسان نفسه؟ قد يظلم
الإنسان غيره. ولكنه لا يظلم نفسه أبدا لأنه يريد أن يعطيها كل ما تشتهيه. وهذا هو
عين الظلم للنفس. لأنه أعطاها شهوة عاجلة في الدنيا. ربما استمرت ساعات. وحرمها من
نعيم أبدي في الآخرة. فكأنه ظلمها بأن أعطاها عذابا أليما في الآخرة مقابل متعة
زائلة لا تدوم .. وهناك من يبيع دينه بدنياه. ولكن أظلم الناس لنفسه من يبيع دينه.
بدنيا غيره. يشهد زورا. ليرضي رئيسا. أو يتقرب لمسئول. أو يرتكب جريمة ..
إذن
قوله تعالى: "فتكونا من الظالمين" أي من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:48

سورة البقرة

(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا
بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين "36")

بعد أن أسكن الله
سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة. وأخبرهما بما هو حلال وما هو حرام.
بدأ
الشيطان مهمته. مهمة عداوته الرهيبة لآدم وذريته.
والحق سبحانه يقول: "فأزلهما
الشيطان" أي أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزلة وهي العثرة أو الكبوة.
كيف
حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان. وأبلغه أنه عدو لهما. في
قوله تعالى:

{.. إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى "117" }
(سورة طه)

إذن فالعداوة معلنة ومسبقة. ولنفرض أنها غير معلنة. ألم يشهد آدم
الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد لآدم؟ ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه.
في قوله "أنا خير منه" وقوله "أأسجد لمن خلقت طينا" كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم
إلي أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا.
والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدلالات
الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه السجود. بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له
ولزوجه .. يقول الحق سبحانه وتعالى: "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه"
من ماذا أخرجهما؟ من العيش الرغيد. واسع النعمة في الجنة. ومن الهدوء والاطمئنان في
أن رزقهما يأتيهما بلا تعب.

ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى ويقول: "فلا
يخرجنكما من الجنة فتشقى"
وهنا لابد أن نتساءل: لماذا لم يقل فتشقيا؟
أن
هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى .. إلي مهمة المرأة ومهمة الرجل في الحياة فمهمة
المرأة أن تكون سكنا لزوجها عندما يعود إلي بيته. تذهب تعبه وشقاءه. أما مهمة الرجل
فهي العمل حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولاده. والعمل تعب وحركة. وهكذا لفتنا
الحق تبارك وتعالى إلي أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى. ثم يأتي إلي أهله فتكون
السكينة والراحة والاطمئنان.
إذا كانت هذه هي الحقيقة. فلماذا يأتي العالم
ليغير هذا النظام؟ نقول أن العالم هو الذي يتعب نفسه. ويتعب الدنيا. فعمل المرأة
شقاء لها. فمهمتها هي البيت. وليس عندها وقت لأي شيء آخر. فإذا عملت فذلك على حساب
أولادها وبيتها وزوجها .. ومن هنا ينشأ الشقاء في المجتمع. فيضيع الأولاد. ويهرب
الزوج إلي مكان فيه امرأة تعطيه السكن الذي يحتاج إليه. وينتهي المجتمع إلي فوضى..


وكان يجب على آدم أن يتنبه إلي أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة
الله. فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاما ويحتاط .. كيف أزل الشيطان آدم وزوجه؟ لقد شرح
الله سبحانه وتعالى لنا هذا ولكن ليس في سورة البقرة وإنما في آية أخرى .. فقال
تعالى:

{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما وقال ما
نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "20"} (سورة
الأعراف)

إذن فإبليس قال كاذبا أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا. ويصبح
خالدا لا يموت ..
ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا
يهمه أي معصية ارتكبت. وإنما يريدك عاصيا على أي وجه. ولكن النفس عندما توسوس لك
بالمعصية، تريد شيئا بذاته. وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان. ووسوسة النفس.
فالشيطان يريدك عاصيا بأي ذنب. فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى. فقد قال
لآدم: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" ولكن هذه المحاولة لم تفلح. فقال لهما:
"ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين" وفات على
آدم أنه لو كان هذا صحيحا .. لأكل إبليس من الشجرة .. ولم يطلب من الحق سبحانه
وتعالى أن يمهله إلي يوم الدين .. ما الذي اسقط آدم في المعصية؟ أنها الغفلة أو
النسيان. والحق سبحانه وتعالى يقول:

{ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسى ولم
نجد له عزماً "115" } (سورة طه)

وهل النسيان معصية. حتى يقول الحق سبحانه
وتعالى:

{وعصى آدم ربه فغوى} (من الآية 121 سورة طه)

نعم النسيان
كان معصية في الأمم السابقة. لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ونسى وعصى. وتؤدي معنى واحدا .. وقوله تعالى:


{قال اهبطوا بعضكم لبعٍض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين "24"}
(سورة الأعراف)

هذا الهبوط هو بداية نزول الإنسان إلي الأرض ليباشر مهمته
في الدنيا. ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين".
فهي إذن حياة موقوته على قدر وقتها، وعلى قدر حجمها ..

والذين يقولون بأنه
لابد من وجود بشر نسميه مخلصا. ليفدي العالم بصلبه أو بغير ذلك من الخطيئة التي
ارتكبها آدم. نقول له: أنك لم تفهم عن الله شيئا، لأن القصة هي هنا خطأ قد حدث
وصوب. وفرق بين الخطأ والخطيئة. فالخطأ يصوب. ولكن الخطيئة يعاقب عليها. وآدم أخطأ
وصوب الله له. وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه. إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله
التوبة وتاب إلي الله. ثم ماذا فعل آدم. حتى نقول تخلص العالم من خطيئة آدم. أنه
أكل من الشجرة. وهل خطايا العالم كلها أكل؟!
من الذين أوجد القتل وسفك الدماء،
والزنا والاغتصاب والنميمة والغيبة؟ لو أن كلامهم صحيح لكان لابد ألا توجد خطيئة
على الأرض مادام قد وجد المخلص الذي فدى العالم من الخطيئة. ولكن الخطيئة باقية.
ومن الذي قال أن الخطيئة تورث. حتى يرث العالم كله خطيئة آدم؟!. والله سبحانه
وتعالى يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"..

وقول الحق سبحانه وتعالى "وقلنا
اهبطوا بعضكم لبعض عدو" العداوة هنا بين الشيطان والإنسان. والعداوة أيضا بين
شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلي نشاط وتنبه. فالمستشرقون
يعادون الإسلام. ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليها.
وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين. وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا
نغفل.
فأنت مادام لك عدو .. فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل.

ولعل
الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب. ففيها يحاول كل خصم أن
يتغلب على خصمه. وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الأخرى. هذه الارتقاءات
والاختراعات. قد تكون للتدمير والقتل. ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلي ارتقاءات
الإنسان في الأرض. فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب. والصواريخ التي وصل الإنسان
بها إلي القمر كانت نتيجة حرب، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا
والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر.

وقوله تعالى "اهبطوا
بعضكم لبعض عدو" .. الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلي مكان أسفل. وقد يكون الهبوط
معنويا. بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا. هو لم يهبط من مكان أعلى
إلي مكان أسفل. ولكنه هبط في قيمته. والمسافات لا تعني قربا أو بعدا. فقد يكون
إنسان يجلس إلي جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به. وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات
الأميال ولكنه قريب إلي قلبك أكثر من ذلك الجالس إلي جوارك. وسواء كان الهبوط ماديا
أو معنويا. فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض .. والعداوة بين الإيمان والكفر
مستمرة.
وهكذا بعد معصية آدم. وهبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على
الأرض ..

وقوله تعالى "اهبطوا" معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلي الأرض
بعد أن تمت التجربة الإيمانية. لقد بين الله تعالى لآدم عمليا أن إبليس عدو له. لا
يريد له الخير. وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان. وقد حدد الله الحياة الدنيا
بأنها حياة موقوتة. قدراتها محدودة. ومتاعها محدود ..

في قوله تعالى: "ولكم
في الأرض مستقر ومتاع إلي حين". أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله
له من عمر ثم يموت. وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفاً لأن
متاعها قليل، وأمدها قصير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:48

(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم "37")

نزل آدم
وحواء إلي الأرض ليمارسا مهمتها في الكون. وقبل أن يبدأ هذه المهمة. جعلهما الله
سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لإغواء الشيطان.
وحذرهما بأن الشيطان عدو لهما .. كان لابد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع الله تعالى
التوبة رحمة بعباده. ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده، ولكنه رحمة
بالمجتمع كله.
فالإنسان إذا عصى وعرف أنه لا توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود
في النار. يتمادى في إجرامه. لأنه مادام لا أمل له في النجاة من عذاب الآخرة. فإنه
يتمادى في المعصية. لأنه لا أمل في الغفران أو التوبة .. من الذي سيعاني في هذه
الحالة؟ أنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي. وسيكون المؤمنون أكثر الناس معاناة
لأنهم أهل خير وتسامح. ولأن الله سبحانه وتعالى .. أمرهم بالعفو. والصفح. واقرأ
قوله تبارك وتعالى:

{ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى
القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله
لكم والله غفور رحيم "22"} (سورة النور)

وقوله تعالى:

{وأن تعفوا
أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم} (من الآية 237 سورة البقرة)

وهناك آيات
كثيرة في القرآن الكريم تحث المؤمنون على العفو.


فالتوبة لو لم تشرع
لعاني المجتمع كله. وخاصة المؤمنين الذي أمروا أن يقابلوا العدوان بالصفح والظلم
بالعفو. ولذلك كان تشريع التوبة من الله سبحانه وتعالى. رحمة بالناس كلهم. والله جل
جلاله شرع التوبة أولا. ثم بعد أن شرعها تاب العاصي. ثم بعد ذلك يقبل الله التوبة
أو لا يقبلها تبعا لمشيئته. واقرأ قوله تعالى:

{ثم تاب عليهم ليتوبوا إن
الله هو التواب الرحيم} (من الآية 118 سورة التوبة)

آدم تلقى من ربه كلمات
فتاب عليه. أتوجد خطيئة بعد توبة آدم وقبول الله سبحانه وتعالى هذه التوبة؟
إن
بعض الناس يقول أن آدم قد عصى وتاب الله عليه. وإبليس قد عصى فجعله الله خالدا في
النار. نقول: أنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم؟ أكل من الشجرة المحرمة. وعندما علم أنه
أخطأ وعصى. لم يصر على المعصية. ولم يرد الأمر على الآمر. ولكنه قال يا رب أمرك
ومنهجك حق. ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني. أعترف آدم بذنبه. وأعترف بأن المنهج
حق. وطلب التوبة من الله سبحانه وتعالى.

ولكن إبليس رد الأمر على الآمر.
قال: "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" وقال "لأقعدن لهم صراطك المستقيم"
وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين" وقال: "لأحتنكن ذريته إلا
قليلا" فإبليس هنا رد الأمر على الآمر. لم يعترف بذنبه. ويقول يا رب غلبني ضعفي.
وأنت الحق وقولك الحق. ولكنه رد الأمر على الله تعالى وعاند وقال سأفعل كذا وسأفعل
كذا. وهذا كفر بالله.

إياك أن ترد الأمر على الله سبحانه وتعالى. فإذا كنت
لا تصلي .. فلا تقل وما فائدة الصلاة. وإذا لم تكن تزكي. فلا تقل تشريع الزكاة ظلم
للقادرين. وإذا كنت لا تطبق شرع الله. فلا تقل أن هذه الشريعة لم تعد تناسب العصر
الحديث. فأنك بذلك تكون قد كفرت والعياذ بالله. ولكن قل يا ربي أن فرض الصلاة حق.
وفرض الزكاة حق. وتطبيق الشريعة حق. ولكني لا أقدر على نفسي. فأرحم ضعفي يا رب
العالمين.
أن فعلت ذلك. تكن عاصيا فقط. أن الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس.
أن آدم أعترف بمعصيته وذنبه. ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. فيكون آدم قد عصى،
وإبليس قد كفر والعياذ بالله.

ويقول الحق سبحانه وتعالى: "فتلقى آدم من ربه
كلمات فتاب عليه" هذه الكلمات التي تلقاها آدم. أراد العلماء أن يحصروها. ما هذه
الكلمات؟ هل هي قول آدم كما جاء في قوله تعالى:

{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا
وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "23"} (سورة الأعراف)

هذه
الآية الكريمة. دلتنا على أن ذنب آدم لم يكن من ذنوب الاستكبار. ولكن من ذنوب
الغفلة .. بينما كان ذنب إبليس من ذنوب الاستكبار على أمر الله. ولكن آدم عندما عصى
حدث منه انكسار. فقال: يا ربي أمرك بألا أقرب الشجرة حق. ولكني لم أقدر على نفسي.
فآدم أقر بحق الله في التشريع. بينما إبليس أعترض على هذا الأمر وقال: "أأسجد لمن
خلقت طينا"

الكلمات التي تلقاها آدم من الله سبحانه وتعالى قد تكون: "ربنا
ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" وقد تكون: .. اللهم لا
إله إلا أنت سبحانك ربي وبحمدك. أني ظلمت نفسي ظلما كثيرا فأغفر لي يا خير الغافرين
.. أو أقبل توبتي يا خير التوابين .. أو قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله .. المهم أن الله سبحانه وتعالى قد أوحى لآدم بكلمات يتقرب بها إليه. سواء
كانت هذه الآية الكريمة أو كلمات أخرى.

لو نظرنا إلي تعليم الله آدم لكلمات
ليتوب عليه. لوجدنا مبدأ مهما في حياة المجتمع. لأن الله سبحانه وتعالى كما قلنا ..
لو لم يشرع التوبة ولو لم يبشرنا بأنه سيقبلها. لكان الذي يذنب ذنبا واحدا لا يرجع
عن المعصية أبدا. وكان العالم كله سيعاني .. والله سبحانه وتعالى خلقنا مختارين ولم
يخلقنا مقهورين. القهر صفة القدرة لله، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نأتي
عن حب وليس عن قهر. ولذلك خلقنا مختارين. وجعل لنا طاقة تستطيع أن تعصي وأن تطيع.
ومادام هناك اختيار .. فالإنسان يختار هذه أو تلك .. إن الله لم يخلق بشرا يختارون
الخير على طول الخط. وبشرا يختارون الشر في كل وقت. فهناك من الخيرين من يقع في
الشر مرة، وهناك من الشريرين من يعمل الخير مرة. فالعبد ليس مخلوقا أن يختار خيرا
مطلقا. أو أن يختار شرا مطلقا .. ولذلك فأحيانا ننسى أو نسهو. أو نعصي.
ومادام
العبد معرضا للخطيئة. فالله سبحانه وتعالى شرع التوبة. حتى لا ييأس العبد من رحمة
الله، ويتوب ليرجع إلي الله.
وقد جاء في الحكمة: "رب معصية أورثت ذلا وانكسارا.
خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا".

وهكذا عندما نزل آدم ليباشر مهمته في
الحياة. لم يكن يحمل أي خطيئة على كتفيه .. فقد أخطأ وعلمه الله تعالى كلمات
التوبة. فتاب فتقبل الله توبته ..

وقوله سبحانه وتعالى: "إنه هو التواب
الرحيم" .. كلمة تواب تدل على أن الله تعالى لا يأخذ عباده بذنب واحد. لأنه سبحانه
وتعالى حتى لو تاب عن ذنب واحد لكل عبد من عباده كان توابا. والمبالغة في الصفة
تأتي من ناحتين. أولا أن الأمر يتكرر عدة مرات من عدد قليل من الأشخاص. أو من شخص
واحد. أو أن الأمر يقع مرة واحدة ولكن من أشخاص كثيرين .. فإذا قلت مثلا: فلان
أكول، قد يكون أكولا لأنه يأكل كمية كبيرة من الطعام. فيسمى أكولا .. إنه لا يتجاوز
طعامه في عدد مراته وجبات الطعام العادي للإنسان. ولكنه يأكل كمية كبيرة. فنسميه
أكولا. فيأكل مثلا عشرة أرغفة في الإفطار ومثلها في الغداء ومثلها في العشاء.

وقد يكون الإنسان أكولا إذا تكرر الفعل نفسه .. كأن يأكل كميات الطعام العادية
ولكنه يأكل في اليوم خمس عشرة مرة مثلا .. فالله سبحانه وتعالى تواب لأن خلقه
كثيرون. فلو اخطأ كل واحد منهم مرة. يكون عدد ذنوبهم التي سيتوب الله عليها كمية
هائلة. فإذا وجد من يذنب عدة مرات في اليوم. فإن الله تعالى. يكون توابا عنه أيضا
إذا تاب واتجه إليه .. إذن مرة تأتي المبالغة. في الحدث وأن كان الذي يقوم به شخص
واحد. ومرة تأتي المبالغة في الحدث لأن من يقوم به أفراد متعددون ..
إذن فآدم
أذنب ذنبا واحدا. يقتضي أن يكون الله تائبا. ولكن ذرية آدم من بعده سيكونون خلقا
كثيرا .. فتأتي المبالغة من ناحية العدد ..

وقوله تعالى: "أنه هو التواب
الرحيم" سيدنا عمر جاءته امرأة تصيح وتصرخ لأن ابنها ضبط سارقا. وقالت لعمر ما سرق
ابني إلا هذه المرة. فقال لها عمر: الله أرحم بعبده من أن يأخذه من أول مرة. لابد
أنه سرق من قبل .. وأنا أتحدى أن يوجد مجرم يضبط من أول مرة. كلمة تواب تدل على أنه
يضبط بعد مرتين أو ثلاث، فالله يستر عبده مرة ومرة ولكن إذا ازداد وتمادى في
المعصية. يوقفه الله عند حده. وهذا هو معنى تواب.

والحق سبحانه وتعالى. تواب
برحمته .. لأن هناك من يعفو ويظل يمن عليك بالعفو. حتى أن المعفو عنه يقول: ليتك
عاقبتني ولم تمن علي بالعفو كل ساعة. لكن الحق سبحانه وتعالى. تواب رحيم. يتوب على
العبد. ويرحمه فيمحو عنه ذنوبه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:48

(قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون "38")

يقول الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية: "قلنا اهبطوا منها
جميعا" وفي سورة طه يقول جل جلاله "قال اهبطا منها جميعا" عندما خاطب الله سبحانه
وتعالى بصورة الجمع. كان الخطاب لكل ذرية آدم المطمورة في ظهره. أمراً لهم جميعا
بالهبوط. آدم وحواء والذرية. لأن كل واحد منا. إلي أن تقوم الساعة فيه جزئ من آدم.
ولذلك لابد أن نلتفت إلي قول الحق تبارك وتعالى:

{ولقد خلقناكم ثم صورناكم
ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (من الآية 11 سورة الأعراف)

نلاحظ هنا أن
الخطاب بصيغة الجمع، فلم يقل الحق سبحانه وتعالى. لقد خلقتك ثم صورتك ثم قلت
للملائكة اسجدوا لآدم، فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أنه ساعة الخلق
كان كل ذرية آدم مطمورين في ظهره. خلقهم جميعا ثم صورهم جميعا. ثم طلب من الملائكة
السجود لآدم. فهل نحن كنا موجودين؟ نعم كنا موجودين في آدم. ولذلك فإن الحق سبحانه
وتعالى يقول: "اهبطوا" لنعرف أن هذا الخطاب موجه إلي آدم وذريته جميعا إلي يوم
القيامة. ومرة يقول "اهبطا منها جميعا" لأن هنا بداية تحمل المسئولية بالنسبة لآدم.
في هذه اللحظة وهي لحظة الهبوط في الأرض. سيبدأ منهج الله مهمته في الحياة. ومادام
هناك منهج وتطبيق فردي. تكون المسئولية فردية. ولا يأتي الجمع هنا.

فالحق
سبحانه وتعالى يقول: "اهبطا منها جميعا" نلاحظ أن أمر الهبوط هنا بالمثنى. ثم يقول
تبارك وتعالى جميعا .. جمع .. نقول أنه مادامت بداية التكليف فهناك طرفان سيواجه
بعضهما البعض. الطرف الأول. هو آدم وزوجه. والطرف الثاني هو إبليس. فهم ثلاثة
ولكنهم في معركة الإيمان. فريقان فقط. آدم وحواء وذريتهما فريق. والشيطان فريق آخر.
فكأن الله تعالى يريد أن يلفتنا إلي أن هذا الهبوط يتعلق بالمنهج وتطبيقه في الأرض.
وفي المنهج آدم وحواء حريصان على الطاعة. وإبليس حريص على أن يقودهما إلي
المعصية.

وفي قوله تعالى: "فإما يأتينكم مني هدى" نلاحظ أن الله سبحانه
وتعالى بعد أن مر آدم بالتجربة ووقع في المعصية، علمه الله تعالى كلمات التوبة.
ونصحه أنه إذا غفل يتوب. والله سبحانه وتعالى .. سيقبل توبته..
إذن فالحق
سبحانه وتعالى يريد من آدم وحواء أن يسكنا الأرض. ويبدأ مهمتهما في الحياة. والله
يدلهما على الخير. مصداقا لقوله تعالى: "فإما يأتينكم مني هدى" .. وهدى لها معنيان
.. هي بمعنى الدلالة على الخير. أو الدلالة على الطريق الموصلة للخير. وهناك هدى
وهو الإعانة على الإيمان والزيادة فيه. واقرأ قوله تعالى:

{والذين اهتدوا
زادهم هدىً وآتاهم تقواهم "17"} (سورة محمد)

الهدى هنا في الآية الكريمة ..
بمعنى الدلالة على طريق الخير. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: "فمن تبع هداي فلا
خوف عليهم ولا هم يحزنون".
ما هو الخوف وما هو الحزن؟ الخوف أن تتوقع شرا مقبلا
لا قدرة لك على دفعه فتخاف منه .. والحزن أن يفوتك شيء تحبه وتتمناه. والحق سبحانه
وتعالى يقول في هذه الآية: من مشى في طريق الإيمان الذي دللته عليه. وأنزلته في
منهجي. فلا خوف عليهم. أي أنه لا خير سيفوتهم فيحزنوا عليه. لأن كل الخير في منهج
الله. فالذي يتبع المنهج لا يخاف حدوث شيء أبدا. وهذه تعطينا قضية مهمة في المجتمع.
الذي لم يرتكب أية مخالفة .. هل يناله خوف؟ أبدا .. ولكن من يرتكب مخالفة تجده
دائما خائفا خشية أن ينكشف أمره ويفاجأ بشر لا قدرة له على دفعه.

إن
الإنسان المستقيم لا يعيش الخوف. لأن الخوف أمران. أما ذنب أنا سبب فيه. والسائر
على الطريق المستقيم لم يفعل شيئا يخاف انكشافه. وأما أمر لا دخل لي فيه. يجريه على
خالقي. وهذا لابد أن يكون لحكمة. قد أدركها. وقد لا أدركها ولكني أتقبلها. فالذي
يتبع هدى الله. لا يخاف ولا يحزن. لأنه لم يذنب. ولم يخرق قانونا. ولم يغش بشرا. أو
يخفي جريمة. فلا يخاف شيئا، ولو قابله حدث مفاجئ، فقلبه مطمئن.

والذين
يتبعون الله. لا يخافون. ولا يخاف عليهم .. وقوله تعالى: "ولا هم يحزنون" لأن الذي
يعيش طائعا لمنهج الله .. ليس هناك شيء يجعله يحزن. ذلك أن إرادته في هذه الحالة
تخضع لإرادة خالقه. فكل ما يحدث له من الله هو خير. حتى ولو كان يبدو على السطح غير
ذلك. ملكاته منسجمة وهو في سلام مع الكون ومع نفسه. والكون لا يسمع منه إلا التسبيح
والطاعة الصلاة وكلها رحمة. فهو في سلام مع نفسه. وفي سلام مع ربه. وفي سلام مع
المجتمع.

إن المجتمع دائما يسعد بالإنسان المؤمن الذي لا يفسد في الأرض. بل
يفعل كل خير. فالمؤمن نفحة جمال تشع في الكون. ونعم حسن ورضا مع كل الناس ومادام
الإنسان كذلك. فلن يفقد ما يسره أبدا. فإن أصابته أحداث .. أجراها الله عليه .. لا
يقابلها إلا بالشكر. وإن كان لا يعرف حكمتها ..

وإياك أن تعترض على الله في
حكم. ولذلك يقول: أحمدك ربي على كل قضائك وجميع قدرك. حمد الرضا بحكمك واليقين
بحكمتك .. والإنسان ينفعل للأحداث. ولكن هناك فرق بين الانفعال للأحداث وحدها وبين
الانفعال للأحداث مع حكمة مجريها.



انظر إلي الإيمان وهو يستقبل
الأحداث .. العين تدمع. ولا يكون القلب قاسيا مثل الحجر، لكن فيه حنان. والقلب يخشع
لله. مقدرا حكمته وإرادته .. والله سبحانه وتعالى لا يريدنا أن نستقبل الأحداث
بالحزن وحده. ولكن بالحزن مع الإيمان. فالله لا يمنعك أن تحزن. ولكن عليك ألا تفصل
الحدث عن مجريه وحكمته فيه .. ولذلك حين تذهب إلي طبيب العظام .. فيكسر لك عظامك
لكي يصلحها. هل يفعل لك خيرا أو شرا؟ طبعا يفعل لك خيرا. وأن كان ذلك يؤلمك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:49

سورة البقرة

(والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
"39")

الحق سبحانه وتعالى بعد أن أعلمنا أن آدم حين يهبط إلي الأرض سيتلقى
من الله منهجا لحركة حياته. من اتبعه خرج من حياته الخوف والحزن. وأصبح آمنا في
الدنيا والآخرة. أراد الله تعالى أن يعطينا الصورة المقابلة. فالحكم في الآية
السابقة كان عن الذين اهتدوا. والحكم في هذه الآية عن الذين كفروا.

يقول
الحق تبارك وتعالى .. "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا" والكفر كما بينا هو محاولة ستر
وجود الله واجب الوجود. ومحاولة ستر هذا الوجود هو إعلان بأن الله تعالى
موجود.
فأنت لا تحاول أن تستر شيئا إلا إذا كان له وجود أولا..
إن الشيء
الذي لا وجود له لا يحتاج إلي ستر؛ لأنه ليس موجودا في عقولنا وعقولنا لا تفهم ولا
تسع إلا ما هو موجود. توجد الصورة الذهنية أولا .. ثم بعد ذلك يوجد الاسم أو الصورة
الكلامية. ولذلك إذا حدثك إنسان عن شيء ليس له وجود فأنت لا تفهمه. ولا تستطيع أن
تعيه إلا إذا شبه لك بموجود. كأن يقال لك: مثل هذا الجبل أو مثل هذه البحيرة. أو
مثل قرص الشمس أو غير ذلك حتى تستطيع أن تفهم. فأنت لا تفهم غير موجود إلا إذا شبه
بموجود.

وكل شيء لابد أن يكون قد وجد أولا. ثم بعد ذلك تجتمع مجامع اللغة
في العالم لتبحث عن لفظ يعبر عنه بعد أن وجد في الصورة الذهنية. فلم يكن هناك اسم
للصاروخ مثلا قبل أن يوجد الصاروخ.ولا لسفينة الفضاء قبل أن تخترع. ولا لأشعة
الليزر قبل أن تكتشف. إذن فكل هذا وجد أولا. ووضع له الاسم بعد ذلك. الذين كفروا
يحاولون ستر وجود الله. وستر وجود الله سبحانه وتعالى هو إثبات لوجوده. لأنك لا
تستر شيئا غير موجود. وهكذا يكون الكفر مثبتا للإيمان. وعقلك لا يستطيع أن يفهم
الاسم إلا إذا وجد المعنى في عقلك. وأنت لا تجد لغة من لغات العالم. ليس فيها اسم
الله سبحانه وتعالى. بل أن الله جل جلاله ـ وهو غيب عنا ـ إذا ذكر اسمه فهمه الصغير
والكبير. والجاهل والعالم. والذي طاف الدنيا. والذي لم يخرج من بيته. كل هؤلاء
يفهمون الله بفطرة الإيمان التي وضعها في قلوبنا جميعا.
إذن الذين كفروا
يحاولون ستر وجود الله سبحانه وتعالى ..

وقوله تعالى: "وكذبوا بآياتنا"
والآية هي الشيء العجيب اللافت. فهناك في الكون آيات كونية مثل الشمس والقمر
والنجوم والأرض. والجبال والبحار وغير ذلك. هذه تسمى آيات. شيء فوق قدرة البشر
خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون آية في كونه وتخدم الإنسان. وهناك الآيات وهي
المعجزات. عندما يرسل الله رسولا أو نبيا إلي قومه فإنه سبحانه يخرق له قوانين
الكون ليثبت لقومه أنه نبي مرسل من عند الله سبحانه وتعالى. وهذه الآيات مقصود بها
من شهدها. لأنها تأتي لتثبيت المؤمنين بالرسل. وهم يمرون بأزمة يحتاجون فيها إلي
التثبيت. ودلالة على صدق رسالة النبي سبحانه وتعالى ما يثبت صدق الرسالة. إلي يوم
الدين. يحدثنا الله سبحانه في آياته. عن كيفية خلق الإنسان. وعن منهج السماء للأرض
وغير ذلك.

والذين كذبوا بآيات الله. هم الكافرون. وهم المشركون. وهم الذين
يرفضون الإسلام. ويحاربون الدين. هؤلاء جميعا. حدد لنا الله تعالى مصيرهم.
ولكن
هل التكذيب عدم قدرة على الفهم؟ نقول أحيانا يكون التكذيب متعمدا مثلما حدث لآل
فرعون عندما أصابهم الله بآفات وأمراض وبالعذاب الأصغر حتى يؤمنوا. ولكنهم رغم
يقينهم بأن هذه الآيات من الله سبحانه وتعالى. لم يعترفوا بها .. ويقول الحق جل
جلاله.

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلي ربهم أولئك أصحاب
الجنة هم فيها خالدون "23"}
(سورة هود)

أي أن الجنة تصاحب المؤمنين.
وتحبهم وتلازمهم. مثلما تصاحب النار الكافرين والمكذبين .. وكما أن النار تكون
سعيدة وهي تحرق الكافر. فالجنة تكون سعيدة وهي تمتع المؤمن ..
ثم يقول الحق
سبحانه وتعالى: "هم فيها خالدون" أي أن العذاب فيها دائم. لا يتغير ولا يفتر. ولا
يخفف. بل هو مستمر إلي الأبد .. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{أولئك الذين
اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون "17"}
(سورة
محمد)

وهكذا نعرف أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل المنهج إلي الأرض مع آدم،
وأن آدم. نزل إلي الأرض ومعه الهدى ليطبق أول منهج للسماء على الأرض. فكأن الله
سبحانه وتعالى لم يترك الإنسان لحظة واحدة على الأرض دون أن يعطيه المنهج الذي يبين
له طريق الهدى وطريق الضلال.

ومع المنهج شرعت التوبة. وشرع قبول التوبة حتى
لا ييأس الإنسان. ولا يحس أنه إذا أخطأ أو نسى أصبح مصيره جهنم. بل يحس أن أبواب
التوبة وغفر له ذنوبه. حتى يحس كل إنسان برعاية الله سبحانه وتعالى له هو على
الأرض. من أول بداية الحياة.
فالمنهج موجود لمن يريد أن يؤمن. والتوبة قائمة لكل
من يخطئ. وحذر الله سبحانه وتعالى آدم وذريته أنه من يطع ويؤمن يعش الحياة الطيبة
في الدنيا والآخرة. ومن يكفر ويكذب. فإن مصيره عذاب أبدي. لقد عرف الله آدم بعدوه
إبليس. وطلب منه أن يحذره. فماذا فعل بنو آدم؟ هل استقبلوا منهج الله بالطاعة أو
بالمعصية؟ وهل تمسكوا بتعاليم الله. أو تركوها وراء ظهورهم؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:49

(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي
فارهبون "40")


بعد أن قص الله علينا قصة الخلق وكيف بدأت بآدم، وعداوة
إبليس لآدم وسببها. قص علينا التجربة الأولى للمنهج في إحدى الجنات، وكيف أن آدم
تعرض للتجربة فأغواه الشيطان وعصى. ثم نزل إلي الأرض مسلحا بمنهج الله. ومحميا
بالتوبة من أن يطغى. بدأت مهمة آدم على الأرض.

أن الحق سبحانه وتعالى أراد
أن يعرض علينا موكب الرسالات وكيف استقبل بنو آدم منهج الله بالكفر والعصيان.
فاختار جل جلاله قصة بني إسرائيل لأنها أكثر القصص معجزات، وأنبياء بني إسرائيل من
أكثر الأنبياء الذين أرسلوا لأمة واحدة وليس معنى هذا أنهم مفضلون. ولكن لأنهم
كانوا أكثر الأمم عصيانا وآثاما فكانوا أكثرهم أنبياء. كانوا كلما خرجوا من معجزة
انحرفوا. فتأتيهم معجزة أخرى. فينحرفون. وهكذا حكم الله عليهم لظلمهم أن يتفرقوا في
الأرض ثم يتجمعوا مرة أخرى في مكان واحد. ليذوقوا العذاب والنكال جزاء لهم على
معصيتهم وكفرهم. ولذلك أخذت قصة بني إسرائيل ذلك الحجم الضخم في كتاب الله. وفي
تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فموسى عليه السلام الذي أرسله الله إلي بني
إسرائيل من أولى العزم من الرسل. ولذلك فإنك تجد فيه تربية أولا. وتربية ثانيا ..


ولابد أن نلتفت إلي قول الحق سبحانه وتعالى: يا بني إسرائيل" فالحق جل
جلاله. حين يريد أن ينادي البشر جميعا يقول: "يا بني آدم" واقرأ قوله تعالى:


{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ} (من الآية 31 سورة الأعراف)


وقوله سبحانه:

{يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان} (من الآية 11 سورة
الأعراف)

لماذا يخاطبنا الله تعالى بقوله: يا بني آدم؟ لأنه يريد أن يذكرنا
بنعمة علينا منذ بداية الخلق. لأن هذه النعم تخص آدم وذريته. فالله تعالى خلق آدم
بيديه. وأمر الملائكة أن تسجد له. وأعد له كونا مليئا بكل ما يضمن استمرار حياته.
ليس بالضروريات فقط. ولكن بالكماليات. ثم دربه الحق على ما سيتعرض له من إغواء
الشيطان. وأفهمه أن الشيطان عدو له. ثم علمه كلمات التوبة. ليتوب عليه. وأمده بنعم
لا تعد ولا تحصى. فالله سبحانه وتعالى يريد أن يذكرنا بكل ذلك حتى نخجل من أن نرتكب
معصية بعد كل هذا التكريم للإنسان. فإذا تذكرنا نعم الله علينا .. فإننا نخجل أن
نقابل هذه النعم بالمعصية.
وقد علمنا الله سبحانه وتعالى علما ميزنا الله تعالى
فيه عن ملائكته. لذا كان يجب أن نظل شاكرين عابدين طوال حياتنا في هذه
الدنيا.

لكننا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى بدأ هذه الآية الكريمة بقوله:
"يا بني إسرائيل" لماذا؟ ومن هو إسرائيل؟ إسرائيل مأخوذة من كلمتين: اسر وإيل ..
(اسر) يعني عبد مصطفى أو مختار. (وإيل معناها الله في العبرانية) فيكون معنى الكلمة
صفوة الله والاصطفاء هنا ليعقوب وليس لذريته .. فإذا نظرنا إلي إسرائيل هو يعقوب
كيف أخذ هذا الاسم. نجد أنه أخذ الاسم لأنه ابتلى من الله بلاء كبيرا. استحق به أن
يكون صفيا لله. وعندما ينادي الله تعالى قوم موسى بقوله: يا بني إسرائيل. فإنه يريد
أن يذكرهم بمنزلة إسرائيل عند الله. ما واجهه من بلاء. وما تحمله في حياته. فاذكروا
ما وصاكم به حين حضرته الوفاة .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{أم كنتم شهداء
إذا حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون "133" } (سورة البقرة)


ثم يأتي بعد ذلك قول يعقوب .. واقرأ قوله تعالى:

{يا بني إن الله
اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (من الآية 132 سورة البقرة)


تلك هي الوصية التي وصى بها يعقوب بنيه .. فيها علم وفيها عظة. علم بأن
الله إله واحد. لا شريك له. وأن الدين هو الإسلام. وعظة وتذكير بأن الله اختار لهم
الدين. فليحرصوا عليه حتى الموت. ولقد جاءت هذه الوصية حين حضر يعقوب الموت. وساعة
الموت يكون الإنسان صادقا مع نفسه. وصادقا مع ربه. وصادقا مع ذريته.
فكأنه
سبحانه وتعالى حينما يقول: "يا بني إسرائيل" يريد أن يذكرهم بإسرائيل وهو يعقوب
وكيف تحمل وظل صابرا. ووصيته لهم ساعة الموت. إن الله سبحانه وتعالى يذكر الأبناء
بفضله على الآباء علهم يتعظون أو يخجلون من المعصية تماما كما يكون هناك عبد صالح
أسرف أبناؤه على أنفسهم.
فيقال لهم: ألا تخجلون؟ أنتم أبناء فلان الرجل الصالح.
لا يصح أن ترتكبوا ما يغضب الله …

"يا بني إسرائيل" إسرائيل هو يعقوب ابن
إسحاق. وإسحاق ابن إبراهيم. وإبراهيم انجب إسحاق وإسماعيل .. ورسولنا صلى الله عليه
وسلم من ذرية إسماعيل. والله سبحانه وتعالى يقول: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي
عليكم"
ولكن الله سبحانه وتعالى حين يخاطب المسلمين لا يقول اذكروا نعمة الله.
وإنما يقول: "اذكروا الله" لأن بني إسرائيل ماديون ودنيويون. فكان الحق سبحانه
وتعالى يقول لهم: مادمتم ماديين ودنيويين. فاذكروا نعمة الله المادية عليكم. ولكننا
نحن المسلمين أمة غير مادية.

وهناك فرق بين أن يكون الإنسان مع النعمة. وأن
يكون مع المنعم. الماديون يحبون النعمة. وغير الماديين يحبون المنعم. ويعيشون في
معيته. ولذلك. فخطاب المسلمين: "اذكروا الله" لأننا نحن مع المنعم. بينما خطابه
سبحانه لبني إسرائيل: "اذكروا نعمة الله". والحديث القدسي يقول: "أنا أهل أن اتقى
فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له).

فالله
سبحانه وتعالى واجب العبادة. ولو لم يخلق الجنة والنار .. ولذلك فإن المؤمنين هم
أهل الابتلاء من الله. لماذا؟ لأن الابتلاء منه نعمة. والله سبحانه وتعالى يباهي
بعباده ملائكته. ويقول: أنهم يعبدونني لذاتي. فتقول الملائكة: بل يعبدوك لنعمتك
عليهم. فيقول سبحانه لهم: سأقبضها عنهم ولا يزالون يحبونني .. ومن عبادي من أحب
دعاءهم. فأنا أبتليهم حتى يقولوا يا رب. لأن أصواتهم يحبها الله سبحانه وتعالى.
ولذلك إذا ابتلى عبدا في صحته مثلا. وسلب منه نعمة العافية. ترى الجاهل هو الذي
ينظر إلي هذه نظرة عدم الرضا. وأما المتعمق فينظر إلي قول الله في الحديث القدسي:
أن الله عز وجل يقول يوم القيامة: "يا بن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب وكيف أعودك
وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته
لوجدتني عنده" فلو فقد المؤمن نعمة العافية .. فلا ييأس فإن الله تعالى يريده أن
يعيش مع المنعم .. وأنه طوال فترة مرضه في معية الله تعالى. ولذلك حين يقول الحق
تبارك وتعالى: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" معناها. أن لم
تكونوا مؤمنين لذاتي. فاستحيوا أن ترتكبوا المعصية بنعمتي التي أنعمت
عليكم.
ولقد جاءت النعمة هنا لأن بني إسرائيل يعبدون الله من أجل نعمه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:49

"اذكروا نعمتي" الذكر هو الحفظ من النسيان، لأن روتين الحياة يجعلنا ننسى المسبب
للنعم. فالشمس تطلع كل يوم. كم منا يتذكر أنها لا تطلع إلا بإذن الله فيشكره.
والمطر ينزل كل فترة. من منا يتذكر أن المطر ينزله الله. فيشكره. فالذكر يكون
باللسان وبالقلب. والله سبحانه وتعالى غيب مستور عنا. وعظمته أنه مستور. ولكن نعم
الله سبحانه تدلنا عليه .. فبالذكر يكون في بالنا دائما. وبنعمه يكون ذكره وشكره
دائما. والحق سبحانه وتعالى طلب من بني إسرائيل أن يذكروا النعمة التي أنعمها عليهم
فقط. وكان يجب عليهم أن يطيعوا الله فيذكروا المنعم. لأن ذكر الله سبحانه وتعالى
يجعلك في ركن ركين. لا يصل إليك مكروه ولا شر.
إن ذكر الله المنعم يعطينا حركة
الحياة في كل شيء. فذكر الله يوجد في القلوب الخشوع. ويقلل من المعاصي وينتفع الناس
كل الناس به، ويجعل حركة الحياة مستقيمة.
وحين يقول الحق سبحانه وتعالى.
"اذكروا نعمتي" معناها اذكروني حتى بالنعمة التي أنعمت عليكم.

وقوله تعالى:
"وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم" العهد هو الميثاق. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:


{ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً "115"} (سورة طه)


إذن فالعهد أمر موثق بين العبد وربه. ما هو العهد الذي يريد الله من بني
إسرائيل أن يوفوا به ليفي الله بعهده لهم؟
نقول: أما أن يكون عهد الفطرة. وعهد
الفطرة كما قلنا أن نؤمن بالله ونشكره على نعمه. وكما قلنا إذا هبط الإنسان في
مكانه ليس في أحد. ثم نام وقام فوجد مائدة حافلة بالنعم أمامه. ألا يسأل نفسه: من
صنع هذا؟ لو أنه فكر قليلا لعرف أنه لابد أن يكون لها من صانع. خصوصا أن الخلق هنا
فوق قدرات البشر. فإذا أرسل الله سبحانه وتعالى رسولا يقول إن الله هو الذي خلق
وأوجد. ولم يوجد مدع ولا معارض نظرا لأن إيجاد هذه النعم فوق قدرات البشر. فإذا
أرسل الله سبحانه وتعالى رسولا يقول إن الله هو الذي خلق وأوجد. ولم يوجد مدع ولا
معارض نظرا لأن إيجاد هذه النعم فوق قدرة البشر. تكون القضية محسومة لله سبحانه
وتعالى.
إذن فذكر الله وشكره واجب بالفطرة السلمية، لا يحتاج إلي تعقيدات
وفلسفات. والوفاء بعهد الله أن نعبده ونشكره هو فطرة الإيمان لما أعطاه لنا من نعم.
على أن الحق سبحانه وتعالى نجده يقول:

{وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} (من الآية
40 سورة البقرة)

وفي آية أخرى:

{فاذكروني أذكركم} (من الآية 152
سورة البقرة)

وفي آية ثالثة:

{إن تنصروا الله ينصركم ويثبت
أقدامكم} (من الآية 7 سورة محمد)

ما هي هذه القضية التي يريد الحق سبحانه
وتعالى أن ينبهنا إليها في هذه الآيات الكريمة؟
الله سبحانه وتعالى يريد أن نعرف
أنه قد وضع في يدنا مفتاح الجنة. ففي يد كل واحد منا مفتاح الطريق الذي يقوده إلي
الجنة أو إلي النار. ولذلك إذا وفيت بالعهد أوفى الله. وإذا ذكرت الله ذكرك. وإذا
نصرت الله نصرك ..
والحديث القدسي يقول: وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن
تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وأن أتاني يمشي أتيته هرولة" وهكذا يريد الحق
سبحانه وتعالى أن ينبهنا أن المفتاح في يدنا نحن. فإذا بدأنا بالطاعة. فإن عطاء
الله بلا حدود. وإذا تقربنا إلي الله تقرب إلينا. وإذا بعدنا عنه نادانا. هذا هو
إيمان الفطرة.
هل هذا هو العهد المقصود من الله سبحانه في قوله: "أوفوا بعهدي
أوف بعهدكم" أو هو العهد الذي أخذه الله على الأنبياء ليبلغوا أقوامهم بأنهم إذا
جاء رسول مصدق لما معهم فلابد أن يؤمنوا به وينصروه؟ فالحق سبحانه وتعالى أخذ على
الأنبياء جميعا العهد لرسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. أو هو العهد
الذي أخذه الله بواسطة موسى عليه السلام على علماء بني إسرائيل الذين تلقوا التوراة
ولقنوها وكتبوها وحفظوها. عهد بألا يكتموا منها شيئا .. واقرأ قوله تعالى:
{وإذ
أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم
واشتروا به ثمنا قليلاً فبئس ما يشترون "187"} (سورة آل عمران)

والهدف من
هذا العهد. ألا يكتموا ما ورد عن الإسلام في التوراة. وألا يخفوا صفات رسول الله
صلى الله عليه وسلم التي جاءت بها .. والله سبحانه وتعالى قد أعطى صفات رسوله محمد
صلى الله عليه وسلم في التوراة وفي الإنجيل .. واقرأ قوله تعالى:

{ولما
جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما
جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "89"} (سورة البقرة)

ولقد
جاء القرآن الكريم. مصدقا لما نزل من التوراة. وعرف بنو إسرائيل أنفسهم صدق ما نزل
في القرآن. ولكنهم كفروا لأن رسول الله لم يكن من قومهم .. وقد كان أهل الكتاب من
توراة وإنجيل يعرفون أن رسالة رسول الله هي الرسالة الخاتمة. وأنه لابد أن يؤمن به
قوم كل نبي. هل هذا هو العهد الذي يوجب على كافة الأمم الإيمان برسالة محمد صلى
الله عليه وسلم ونصرته أن أدركوه. أن كانت هي عهد إيمان الفطرة، أو كانت هي عهد
الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فكلاهما وارد.

وقوله تعالى: "أوف
بعهدكم" من جنة النعيم في الآخرة. فالله سبحانه وتعالى بعد نزول الإسلام اختص
برحمته الذين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام. وكل من لم يؤمن بهذا الدين لا عهد
له عند الله.
واقرأ قوله تبارك وتعالى عندما أخذت الرجفة موسى وقومه وطلب موسى
من الله سبحانه وتعالى الرحمة. قال تعالى:

{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة
وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيءٍ فسأكتبها
للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156" الذين يتبعون الرسول
النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال
التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك
هم المفلحون "157"}
(سورة الأعراف)

فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني
إسرائيل في هذه الآية الكريمة. بالعهد الذي أخذه عليهم. وينذرهم أن رحمته هي
للمؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم متى جاءت رسالته.

وقوله تعالى:
"وإياي فارهبون" أي أنه لا توجد قوة ولا قدرة في الكون إلا قوة الله سبحانه وتعالى.
ولذلك فاتقوا يوما ستلاقون فيه الله ويحاسبكم. وهو سبحانه وتعالى قهار جبار. ولا
نجاة من عذابه لمن لم يؤمن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:49

سورة البقرة

(وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا
تشتروابآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون "41")

بعد أن ذكر الله سبحانه
وتعالى بني إسرائيل بالعهود التي قطعوها على أنفسهم سواء بعدم التبديل والتغيير في
التوراة. لإخفاء أشياء وإضافة أشياء. وذكرهم بعهدهم بالنسبة للإيمان برسول الله صلى
الله عليه وسلم الذي ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافه في التوراة. حتى أن الحبر
اليهودي ابن سلام كان يقول لقومه في المدينة: لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني
ومعرفتي لمحمد أشد. أي أنه كان يذكر قومه. أن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم
الموجودة في التوراة. لا تجعلهم يخطئونه.

قال الحق تبارك وتعالى: "وآمنوا
بما أنزلت مصدقا لما معكم". لأن القرآن مصدق للتوراة.
والقصد هنا التوراة
الحقيقية قبل أن يحرفوها. فالقرآن ليس موافقا لما معهم من المحرف أو المبدل من
التوراة. بل هو موافق للتوراة التي لا زيف فيها.

ثم يقول الحق تبارك
وتعالى: "ولا تكونوا أول كافر به" .. ولقد قلنا أن اليهود لم يكونوا أول كافر بمحمد
صلى الله عليه وسلم. وإنما كانت قريش قد كفرت به في مكة.
المقصود في هذه الآية
الكريمة أول كافر به من أهل الكتاب. لماذا؟ لأن قريشا لا صلة لها بمنهج السماء. ولا
هي تعرف شيئا عن الكتب السابقة. ولكن أحبار اليهود كانوا يعرفون صدق الرسالة.
وكانوا يستفتحون برسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المدينة ويقولون: "جاء زمن
رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم". ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلا
من أن يسارعوا بالإيمان به. كانوا أول كافر به.

والله سبحانه وتعالى لم
يفاجئ أهل الكتاب بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم وإنما نبههم إلي ذلك في التوراة
والإنجيل. ولذلك كان يجب أن يكونوا أول المؤمنين وليس أول الكافرين. لأن الذي جاء
يعرفونه .

وقوله تعالى: "ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا": الحق سبحانه وتعالى
حينما يتحدث عن الصفقة الإيمانية. يستخدم كلمة الشراء وكلمة البيع وكلمة التجارة.
اقرأ قوله تعالى:

{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم
الجنة} (من الآية 111 سورة التوبة)

وفي آية أخرى يقول:

{هل أدلكم
على تجارة تنجيكم من عذاب أليمٍ "10" تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله
بأموالكم وأنفسكم} (من الآية 10،11 سورة الصف)

أن الحق سبحانه وتعالى ..
استعمل كلمة الصفقة والشراء والبيع بعد ذلك في قوله تعالى:

{يا أيها الذين
آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع }
(من
الآية 40 سورة البقرة)

ونعلم أن التجارة هي وساطة بين المنتج والمستهلك ..
المنتج يريد أن يبيع إنتاجه. والمستهلك محتاج إلي هذا الإنتاج. والربح عملية تطول
فترة .. وتقصر فترة مع عملية تحرك السلعة والإقبال عليها أن كان سريعا أو بطيئا.
وعملية الاتجار استخدمها الله سبحانه وتعالى ليبين لنا أنها أقصر طريق إلي
النفع.
فالتجارة تقوم على يد الإنسان. يشتري السلعة ويبيعها. ولكنها مع الله
سيأخذ منك بعضا من حرية نفسك. ليعطيك أخلد وأوسع منها. وكما قلنا: لو قارنا بين
الدنيا بعمرها المحدود ـ عمر كل واحد منا ـ كم سنة؟ خمسين .. ستين .. سبعين!! نجد
أن الدنيا مهما طالت .. ستنتهي والإنسان العاقل هو الذي يضحي بالفترة الموقوته
والمنتهية ليكون له حظ في الفترة الخالدة وبذلك تكون هذه الصفقة رابحة.

أن
النعيم في الدنيا على قدر قدرات البشر. . والنعيم في الآخرة على قدر قدرات الله
سبحانه وتعالى. يأتي الإنسان ليقول: لماذا أضيق على نفسي في الدنيا؟ لماذا لا
أتمتع؟ نقول له: لا .. إن الذي ستناله من العذاب والعقاب في الآخرة لا يساوي ما
أخذته من الدنيا .. إذن الصفقة خاسرة. أنت اشتريت زائلا. ودفعته ثمنا لنعيم خالد ..

والله سبحانه وتعالى يقول لليهود: "ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا" أي لا تدفعوا
الآيات الإيمانية التي أعطيت لكم لتأخذوا مقابلها ثمنا قليلا .. وعندما يأخذ
الإنسان أقل مما يعطي .. فذلك قلب للصفقة. والقلب تأتي من الخسارة دائما..


وكأن الآية تقول: تدفعون آيات الله التي تكون منهجه المتكامل لتأخذوا عرضا
من أعراض الدنيا. قيمته قليلة ووقته قصير. هذا قلب للصفقة. ولذلك جاء الأداء
القرآني مقابلا لهذا القلب. ففي الصفقات .. الأثمان دائما تدفع والسلعة تؤخذ. ولكن
في هذه الحالة التي تتحدث عنها الآية في قوله تعالى "ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا"
قد جعلت الثمن الذي يجب أن يكون مدفوعا جعلته مشتري وهذا هو الحمق والخطأ.
الله
يقول "ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا" أي لا تقبلوا الصفقة .. الشيء الذي كان يجب أن
تضحوا به لا تجعلوه ثمنا. لأنك في هذه الحالة تكون قد جعلت الثمن سلعة. مادمت
ستشتري الآيات بالثمن .. فقد جعلت آيات الله ثمنا لتحصل على مكاسب دنيوية. وليتك
جعلتها ثمنا غاليا. بل جعلتها ثمنا رخيصا.
لقد تنكرت لعهدك مع الله ليبقى لك
مالك أو مركزك!! أما إذا ضحى الإنسان بشيء من متع الدنيا .. ليأخذ متع الآخرة
الباقية .. فتكون هذه هي الصفقة الرابحة. ذلك لأن الإنسان في الدنيا ينعم على قدر
تصوره للنعيم. ولكنه في الآخرة ينعم على قدر تصور الله سبحانه وتعالى في
النعيم.

بعض الذين لا يريدون أن يحملوا أنفسهم على منهج الله يستعجلون مكاسب
الصفقة. استعجالا أحمق. أنهم يريدون المتعة حراما أو حلالا .. نقول لكل واحد منهم:
أن كنت مؤمنا بالآخرة: أو غير مؤمن فالصفقة خاسرة .. لأنك في كلتا الحالتين ستعذب
في النار .. فكأنك اشتريت بإيمانك ودينك متعة زائلة. وجعلت الكفر ومعصية الله هما
الثمن فقلبت الآية، وجعلت الشيء الذي كان يجب أن يشتري بمنهج الله وهو نعيم الآخرة
يباع .. ويباع بماذا؟ بنعيم زائل! وعندما يأخذ الإنسان أقل مما يعطي .. يكون هذا
قلبا للصفقة.
فكأن الآية تقول: أنكم تدفعون آيات الله وما تعطيكم من خيري
الدنيا والآخرة لتأخذوا عرضا زائلا من أعراض الدنيا وثمنه قليل. والثمن يكون دائما
من الأعيان كالذهب والفضة وغيرهما .. وهي ليست سلعة. فهب أن معك كنز قارون ذهبا
وأنت في مكان منعزل وجائع. ألا تعطي هذا الكنز لمن سيعطيك رغيفا .. حتى لا تموت من
الجوع؟ ولذلك يجب ألا يكون المال غاية أو سلعة. فإن جعلته غاية يكون معك المال
الكثير .. ولا تشتري به شيئا لأن المال غايتك. فيفسد المجتمع.

إن المال عبد
مخلص. ولكنه سيد رديء. هو عبدك حين تنفقه. ولكن حين تخزنه وتتكالب عليه يشقيك
ويمرضك. لأنك أصبحت له خادما.

والآية الكريمة .. تعطينا فكرة عن اليهود لأن
محور حياتهم وحركاتهم هو المال والذهب. فالله سبحانه وتعالى حرم الربا لأن المال
فالربا يصبح سلعة. فالمائة تأخذ بمائة وخمسين مثلا .. وهذا يفسد المجتمع، لأنه من
المفروض أن يزيد المال بالعمل. فإذا أصبحت زيادة المال بدون عمل. فسدت حركة الحياة.
وزاد الفقير فقرا. وزاد الغني غنى. وهذا ما نراه في العالم اليوم. فالدول الفقيرة
تزداد فقرا لأنها تقترض المال وتتراكم عليها فوائده حتى تكون الفائدة أكثر من الدين
نفسه. وكلما مر الوقت. زادت الفوائد. فتضاعف الدين. ويستحيل التسديد. والدول الغنية
تزداد غنى، لأنها تدفع القرض وتسترده بأضعاف قيمته. يمكن شراء آيات الله بثمن أعلى
.. لا .. لأنه مهما ارتفع الثمن وعلا سيكون قليلا وقليلا جدا. لأنه يقابل آيات
الله. وآيات الله لا تقدر بثمن. فالصفقة خاسرة مهما كانت قيمتها.

وقول الحق
تبارك وتعالى: "وإياي فاتقون" وفي الآية السابقة قال: "وإياي فارهبون" وهي وعيد.
ولكن "وإياي فاتقون" واقع. فقوله تعالى: "وإياي فارهبون" هي وعيد وتحذير لما سيأتي
في الآخرة. ولكن "وإياي فاتقون" يعني اتقوا صفات الجلال من الله تعالى.
وصفات
الجلال هي التي تتعلق ببطش الله وعذابه. ومن هذه الصفات الجبار والقهار والمتكبر
والقادر والمنتقم والمذل. وغيرها من صفات الجلال. الله سبحانه وتعالى يقول: "اتقوا
الله" ويقول "اتقوا النار" كيف؟
نقول إن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نجعل
بيننا وبين النار ـ وهي أحد جنود العذاب لله سبحانه وتعالى ـ وقاية. ويريدنا أن
نجعل بيننا وبين عذاب النار وقاية. ويريدنا أيضا .. أن نجعل بيننا وبين صفات الجلال
في الله وقاية. فقوله تعالى "وإياي فاتقون" أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في
الله وقاية؟ أن تكون أعمالنا في الدنيا وفقا لمنهج الله سبحانه وتعالى. إذن فالتقوى
مطلوبة في الدنيا..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:50

(ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون "42")

بعد أن حذر الحق
سبحانه وتعالى اليهود من أن يبيعوا دينهم بثمن قليل وهو المال أو النفوذ الدنيوي.
قال تعالى: "ولا تلبسوا الحق بالباطل" مادة تلبس. مأخوذة من اللباس الذي نرتديه.
واللبس هو التغطية أو التعميمة بأن نخفي الحق ولا نظهره. فاللباس تغليف للجسم يستره
فلا يبين تفصيلاته ..
والحق هو القضية الثابتة المقدرة التي لا تتغير. فلنفرض
أننا شهدنا شيئا يقع. ثم روي كل منا ما حدث. إذا كنا صادقين لن يكون حدثنا إلا
مطابقا للحقيقة. ولكن إذا كان هناك من يحاول تغيير الحقيقة فيكون لكل منا رواية.
وهكذا فالحق ثابت ولا يتغير.

في التوراة آيات لم يحرفها اليهود .. وآيات
محرفة. كل الآيات التي تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه .. وأنه النبي
الخاتم .. حرفها اليهود. والآيات التي لا تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يحرفوها .. فكأنهم خلطوا الحق بالباطل .. ما الذي جعلهم يدخلون الباطل ويحاولون
إخفاء الحقائق؟ المصلحة الأولى: ليشتروا بآيات الله ثمنا قليلا .. والباطل هو ما لا
واقع له. ولذلك فإن أبواب الباطل متعددة. وباب الحق واحد فالله سبحانه وتعالى يريد
أن يبلغنا أن اليهود قد وضعوا في التوراة باطلا لم يأمر به الله. وكتموا الحقيقة عن
رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن هل فعلوا ذلك عن طريق الخطأ أو السهو أو
النسيان؟ لا بل فعلوه وهم يعلمون. نأتي مثلا إلي قول الحق تبارك وتعالى لليهود:


{وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين} (من
الآية 58 سورة البقرة)

وحطة أي حط عنا يا رب ذنوبنا. يأتي اليهود ويغيرون
قول الله. فبدلا من أن يقولوا حطة. يقولوا حنطة. من يسمع هذا اللفظ قد لا يتنبه
ويعتقد أنهم قالوا ما أمرهم الله به. مع أن الواقع أنهم حرفوه. ولذلك عندما كانوا
يأتون إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: راعنا ليا بألسنتهم. وكان
المفروض أن يقولوا راعينا .. ولكنهم قالوا راعنا من الرعونة .. والله تعالى نبه
المؤمنين برسوله صلى الله عليه وسلم ألا يقولوا مثلهم. فقال جل جلاله: "لا تقولوا
راعنا وقولوا انظرنا". أي اتركوا هذه الكلمة نهائيا، هذا لبس الحق بالباطل. إذن
فاليهود ألبسوا الحق بالباطل.
والإنسان لا يلبس الحق بالباطل .. إلا إذا كان لا
يستطيع مواجهة الحق. لأن عدم القدرة على مواجهة الحق ضعف نفر منه إلي الباطل، لأن
الحق يتعب صاحبه .. والإنسان لا يستطيع أن يحمل نفسه على الحق.

وقوله
تعالى: "وتكتموا الحق وأنتم تعلمون" أي أنهم يفعلون ذلك عن عمد وليس عن جهل. فقد
يكتم الإنسان حقا وهو لا يعلم أنه الحق. ولكن إذا كنت تعلمه فتلك هي النكبة لأنك
تخفيه عامدا متعمدا.
أو وأنتم تعلمون. قد يكون معناها أن اليهود ـ وهم أهل
الكتاب ـ يعلمون ما سيصيبهم في الآخرة من العذاب الأليم .. بسبب إخفائهم الحق. فهم
لا يجهلون ماذا سيحدث في الآخرة. ولكنهم يقدمون على عملهم مع علمهم أنه خطأ فيكون
العذاب حقا.

******************************

( وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة واركعوا مع الراكعين "43")

إقامة الصلاة معروفة. وهي تبدأ بالتكبير
وتختم بالتسليم. بشرائطها من عناصر القيام والركوع والسجود. ولكن الحق يقول "وآتوا
الزكاة واركعوا مع الراكعين" إما أنه يريد منهم أن ينضموا إلي موكب الإيمان الجامع
لأن صلاتهم لم يكن فيها ركوع. إذن فهو يريدهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ولا يظنوا أن إيمانهم بموسى عليه السلام يعفيهم من أن يكونوا خاضعين لما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم. ويقولون ديننا كافينا. إنما جاء الإسلام لمن لا دين له
وهم الكفار والمشركون .. فيقول لهم: "اركعوا مع الراكعين".

أن الحق سبحانه
وتعالى يريد أن يلفتهم إلي أن صلاتهم لن تقبل منهم إلا أن يكون فيها ركوع. وصلاة
اليهود ليس فيها ركوع .. وإن كان فيها سجود، وفي كلتا الحالتين فإن الحق سبحانه
وتعالى يلفتهم إلي ضرورة الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحق
سبحانه وتعالى حينما قال: (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) يريد أن يلفتهم إلي أن
العكس هو المطلوب وأنهم كان يجب أن يشتروا الإيمان ويختاروا الصفقة الرابحة. ولن
يحدث ذلك إلا إذا آمنوا بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا هو الطريق
الوحيد لرضا الله سبحانه وتعالى.
الله سبحانه وتعالى يريد أن يهدم تكبرهم على
الدين الجديد فأمرهم بالصلاة كما يصلي المسلمون.

وبالزكاة كما يزكي
المسلمون. فلا يعتقدون أن إيمانهم بموسى والتوراة سيقبل منهم بعد أن جاء الرسول
الجديد الذي أمروا أن يؤمنوا به. بل أن إيمانهم بموسى والتوراة. لو كانوا مؤمنين
بهما حقا .. يستوجب هذا الإيمان عليهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. لأن
التوراة تأمرهم بذلك. فكأن عدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم كفر بالتوراة ونقض
لتعاليمها.

والصلاة كما قلنا .. استحضار العبد وقفته بين يدي ربه. وحينما
يقف العبد بين يدي الله .. لابد أن يزل كل ما في نفسه من كبرياء. ويدخل بدلا منه
الخشوع والخضوع والذلة لله. والمتكبر غافل عن رؤية ربه الذي يقف أمامه. إنما عدم
إيمانهم بهذا النبي. والوقوف بين يدي الله للصلاة كما يجب أن تؤدي، وكما فرضها الله
تعالى من فوق سبع سماوات. إنما هو رفض للخضوع لأوامر الله. وبعد ذلك تأتي الزكاة.
لأن العبد المؤمن. لابد أن يوجه حركة حياته إلي عمل نافع يتسع له ولمن لا يقدر على
الحركة في الحياة. والله سبحانه وتعالى حينما يطالبنا بالسعي في الأرض لا يطالبنا
أن يكون ذلك على قدر احتياجاتنا فقط، بل يطالبنا أن يكون تحركنا أكثر من حاجة
حياتنا. حتى يتسع هذا التحرك ليشمل حياة غير القادر على حركة الحياة. فيتسع المجتمع
للجميع. ويزول منه الحقد والحسد، وتصفى النفوس..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:50

سورة البقرة

(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا
تعقلون "44")

بعد أن لفت الله أنظار اليهود. إلي أن عدم إيمانهم بالإسلام
هو كفر بالتوراة .. لأن تعاليم التوراة تآمرهم أن يؤمنوا بالرسول الجديد. وقد أعطوا
أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وزمنه في التوراة. وأمروا أن يؤمنوا به.


قال تبارك وتعالى: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" لقد كان اليهود
يبشرون بمجيء رسول جديد. ويعلنون أنهم سيؤمنون به. فلما جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم يكن من قومهم كفروا به. لأنهم كانوا يريدون أن تكون السطوة لهم. بأن
يأتي الرسول الجديد منهم. فلما جاء من العرب .. عرفوا أن سطوتهم ستزول وأن سيادتهم
الاقتصادية ستنتهي. فكفروا بالرسول وبرسالته.

ولابد أن ننبه إلي أنه إذا
كانت هذه الآيات قد نزلت في اليهود. فليس معناها أنها تنطبق عليهم وحدهم. بل هي
تنطبق على أهل الكتاب جميعا. وغير المؤمنين.

فالعبرة ليست بخصوص الموضوع.
ولكن العبرة بعموم السبب.

أن الكلام منطبق هنا حتى على المسلمين الذين
يشترون بآيات الله ثمناً قليلا وهؤلاء هم خطباء الفتنة الذين رآهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم. تقرض شفاهم بمقارض من نار. فسأل: من هؤلاء يا جبريل: فقال خطباء
الفتنة. أنهم الذين يزينون لكل ظالم ظلمه. ويجعلون دين الله في خدمة أهواء البشر.


وكان الأصل أن تخضع أهواء البشر لدين الله. وهؤلاء هم الذين يحاولون ـ تحت
شعار التجديد ـ أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج الله. فهم يبررون ما
يقع. ولا يتدبرون حساب الآخرة.
إن علماء الدين الذين يحملون منهج الله ليس من
عملهم تبرير ما يقع من غيرهم. ومنهج الله لا يمكن أن يخضع أبداً لأهواء البشر. وعلى
الذين يفعلون ذلك أن يتوبوا ويرجعوا إلي الله. ويحاولوا استدراك ما وقع منهم. لأن
الرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل.

وقوله الحق سبحانه وتعالى:
"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" يعطينا منهجاً آخر من مناهج الدعاة. لأن الذي
يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويحمل منهج الله .. يريد أن يخرج من لا يؤمن من حركة
الباطل التي ألفها. وإخراج غير المؤمن من حركة الباطل أمر شاق على نفسه. لأنه خروج
عن الذي اعتاده. وبعدما ألفه. واعتراف أنه كان على باطل لذلك فهو يكون مفتوح
العينين على من بين له طريق الإيمان ليرى هل يطبق ذلك على نفسه أم لا؟ أيطبق الناهي
عن المنكر ما يقوله؟ فإذا طبقه عرف أنه صادق في الدعوة. وإذا لم يطبقه كان ذلك عذرا
ليعود إلي الباطل الذي كان يسيطر على حركة حياته.
إن الدين كلمة تقال. وسلوك
يفعل. فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة.
فالله سبحانه وتعالى يقول:


{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون "2" كبر مقتاً عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون"3" }
(سورة الصف)

لماذا..؟ لأن من يراك تفعل ما
تنهاه عنه يعرف أنك مخادع وغشاش. وما لم ترتضه أنت كسلوك لنفسك. لا يمكن أن تبشر به
غيرك. لذلك نقرأ في القرآن الكريم:

{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"21"}
(سورة الأحزاب)


فمنهج الدين وحده لا يكفي .. إلا بالتطبيق. ولذلك كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يأمر أصحابه بأمر إلا كان أسبقهم إليه، فكان المسلمون يأخذون عنه
القدوة قولا وعملا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حين يريد أن يقنن أمر في
الإسلام يأتي بأهله وأقاربه ويقول لهم: لقد بدا لي أن الأمر بكذا وكذا، والذي نفسي
بيده من خالف منكم لأجعلنه نكالا للمسلمين. وكان عمر بن الخطاب بهذا يقفل أبواب
الفتنة، لأنه يعلم من أين تأتي..

وفي الدعوة الإسلامية .. لابد أن يكون
العلماء قدوة لنصلح أمر الناس. ففي كل علوم الدنيا القدوة ليست مطلوبة. إلا في
الدين. فأنت إذا ذكر لك عالم كيمياء بارع. وقيل لك أنه يتناول الخمر. أو يفعل كذا.
تقول مالي وسلوكه. أنا آخذ عنه علم الكيمياء لأنه بارع في ذلك. ولكن لا شأن لي
بسلوكه. وكذلك كل علماء الأرض. ما عدا عالم الدين. فإذا كان هناك عالم يبصرك
بالطريق المستقيم. وتتلقى عنه علوم دينك ثم بعد ذلك تعرف أنه يشرب الخمر أو يسرق.
أتستمع له؟ أبد. أنه يهبط من نظرك في الحال. ولا تحب أن تسمعه. ولا تجلس في مجلسه.
مهما كان علمه. فستقول له كفاك دجلا..

وهكذا فإن عالم الدين لابد أن يكون
قدوة. فلا ينهي عن منكر ويفعله. أو يأمر بمعروف وهو لا ينفذه. فالناس كلهم مفتحة
أعينهم لما يصنع. والإسلام قبل أن ينتشر بالمنهج العلمي .. انتشر بالمنهج السلوكي.
وأكبر عدد من المسلمين اعتنق هذا الدين من أسوة سلوكية قادته إليه. فالذين نشروا
الإسلام في الصين .. كان أغلبهم من التجار الذين تخلقوا بأخلاق الإسلام. فجذبوا
حولهم الكثيرين.

{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلي الله وعمل صالحاً وقال إنني
من المسلمين "33" } (سورة فصلت)

فالشرط الأول هو الدعوة إلي
الله.
والشرط الثاني العمل الصالح.
وقوله "إنني من المسلمين" لم ينسب الفضل
لنفسه أو لذاته. ولكنه نسب الفضل إلي الإسلام.
ولكن قولوا لي: أي فائدة أن نقول
أننا مسلمون ونعمل بعمل غير المسلمين؟
إذن فقوله تعالى: "أتأمرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم" يذكر الله بأن اليهود يقولون ما لا يفعلون. ولو كانوا يؤمنون حقا
بالتوراة لآمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالإسلام. لأن ذلك أمر في التوراة.
ولكنهم نسوا أنفسهم. فهم أول مخالف للتوراة. لأنهم لم يتبعوها .. وهم يتلون كتابهم
الذي يأمرهم بالإيمان الجديد. ومع أنهم متأكدون من صدق رسالة رسول الله صلى الله
عليه وسلم. إلا أنهم لا يؤمنون. ولو كان عندهم ذرة من العقل لآمنوا بما يطلبه منهم
كتابهم الذي يتلونه. ولكنهم لا يفكرون بعقولهم، وإنما يريدون علوا في
الأرض.
والآية ـ كما قلنا ـ لا تنطبق على اليهود وحدهم. بل على كل من يسلك هذا
السلوك..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:51

سورة البقرة

(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا
تعقلون "44")

بعد أن لفت الله أنظار اليهود. إلي أن عدم إيمانهم بالإسلام
هو كفر بالتوراة .. لأن تعاليم التوراة تآمرهم أن يؤمنوا بالرسول الجديد. وقد أعطوا
أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وزمنه في التوراة. وأمروا أن يؤمنوا به.


قال تبارك وتعالى: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" لقد كان اليهود
يبشرون بمجيء رسول جديد. ويعلنون أنهم سيؤمنون به. فلما جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم يكن من قومهم كفروا به. لأنهم كانوا يريدون أن تكون السطوة لهم. بأن
يأتي الرسول الجديد منهم. فلما جاء من العرب .. عرفوا أن سطوتهم ستزول وأن سيادتهم
الاقتصادية ستنتهي. فكفروا بالرسول وبرسالته.

ولابد أن ننبه إلي أنه إذا
كانت هذه الآيات قد نزلت في اليهود. فليس معناها أنها تنطبق عليهم وحدهم. بل هي
تنطبق على أهل الكتاب جميعا. وغير المؤمنين.

فالعبرة ليست بخصوص الموضوع.
ولكن العبرة بعموم السبب.

أن الكلام منطبق هنا حتى على المسلمين الذين
يشترون بآيات الله ثمناً قليلا وهؤلاء هم خطباء الفتنة الذين رآهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم. تقرض شفاهم بمقارض من نار. فسأل: من هؤلاء يا جبريل: فقال خطباء
الفتنة. أنهم الذين يزينون لكل ظالم ظلمه. ويجعلون دين الله في خدمة أهواء البشر.


وكان الأصل أن تخضع أهواء البشر لدين الله. وهؤلاء هم الذين يحاولون ـ تحت
شعار التجديد ـ أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج الله. فهم يبررون ما
يقع. ولا يتدبرون حساب الآخرة.
إن علماء الدين الذين يحملون منهج الله ليس من
عملهم تبرير ما يقع من غيرهم. ومنهج الله لا يمكن أن يخضع أبداً لأهواء البشر. وعلى
الذين يفعلون ذلك أن يتوبوا ويرجعوا إلي الله. ويحاولوا استدراك ما وقع منهم. لأن
الرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل.

وقوله الحق سبحانه وتعالى:
"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" يعطينا منهجاً آخر من مناهج الدعاة. لأن الذي
يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويحمل منهج الله .. يريد أن يخرج من لا يؤمن من حركة
الباطل التي ألفها. وإخراج غير المؤمن من حركة الباطل أمر شاق على نفسه. لأنه خروج
عن الذي اعتاده. وبعدما ألفه. واعتراف أنه كان على باطل لذلك فهو يكون مفتوح
العينين على من بين له طريق الإيمان ليرى هل يطبق ذلك على نفسه أم لا؟ أيطبق الناهي
عن المنكر ما يقوله؟ فإذا طبقه عرف أنه صادق في الدعوة. وإذا لم يطبقه كان ذلك عذرا
ليعود إلي الباطل الذي كان يسيطر على حركة حياته.
إن الدين كلمة تقال. وسلوك
يفعل. فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة.
فالله سبحانه وتعالى يقول:


{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون "2" كبر مقتاً عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون"3" }
(سورة الصف)

لماذا..؟ لأن من يراك تفعل ما
تنهاه عنه يعرف أنك مخادع وغشاش. وما لم ترتضه أنت كسلوك لنفسك. لا يمكن أن تبشر به
غيرك. لذلك نقرأ في القرآن الكريم:

{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"21"}
(سورة الأحزاب)


فمنهج الدين وحده لا يكفي .. إلا بالتطبيق. ولذلك كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يأمر أصحابه بأمر إلا كان أسبقهم إليه، فكان المسلمون يأخذون عنه
القدوة قولا وعملا، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حين يريد أن يقنن أمر في
الإسلام يأتي بأهله وأقاربه ويقول لهم: لقد بدا لي أن الأمر بكذا وكذا، والذي نفسي
بيده من خالف منكم لأجعلنه نكالا للمسلمين. وكان عمر بن الخطاب بهذا يقفل أبواب
الفتنة، لأنه يعلم من أين تأتي..

وفي الدعوة الإسلامية .. لابد أن يكون
العلماء قدوة لنصلح أمر الناس. ففي كل علوم الدنيا القدوة ليست مطلوبة. إلا في
الدين. فأنت إذا ذكر لك عالم كيمياء بارع. وقيل لك أنه يتناول الخمر. أو يفعل كذا.
تقول مالي وسلوكه. أنا آخذ عنه علم الكيمياء لأنه بارع في ذلك. ولكن لا شأن لي
بسلوكه. وكذلك كل علماء الأرض. ما عدا عالم الدين. فإذا كان هناك عالم يبصرك
بالطريق المستقيم. وتتلقى عنه علوم دينك ثم بعد ذلك تعرف أنه يشرب الخمر أو يسرق.
أتستمع له؟ أبد. أنه يهبط من نظرك في الحال. ولا تحب أن تسمعه. ولا تجلس في مجلسه.
مهما كان علمه. فستقول له كفاك دجلا..

وهكذا فإن عالم الدين لابد أن يكون
قدوة. فلا ينهي عن منكر ويفعله. أو يأمر بمعروف وهو لا ينفذه. فالناس كلهم مفتحة
أعينهم لما يصنع. والإسلام قبل أن ينتشر بالمنهج العلمي .. انتشر بالمنهج السلوكي.
وأكبر عدد من المسلمين اعتنق هذا الدين من أسوة سلوكية قادته إليه. فالذين نشروا
الإسلام في الصين .. كان أغلبهم من التجار الذين تخلقوا بأخلاق الإسلام. فجذبوا
حولهم الكثيرين.

{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلي الله وعمل صالحاً وقال إنني
من المسلمين "33" } (سورة فصلت)

فالشرط الأول هو الدعوة إلي
الله.
والشرط الثاني العمل الصالح.
وقوله "إنني من المسلمين" لم ينسب الفضل
لنفسه أو لذاته. ولكنه نسب الفضل إلي الإسلام.
ولكن قولوا لي: أي فائدة أن نقول
أننا مسلمون ونعمل بعمل غير المسلمين؟
إذن فقوله تعالى: "أتأمرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم" يذكر الله بأن اليهود يقولون ما لا يفعلون. ولو كانوا يؤمنون حقا
بالتوراة لآمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالإسلام. لأن ذلك أمر في التوراة.
ولكنهم نسوا أنفسهم. فهم أول مخالف للتوراة. لأنهم لم يتبعوها .. وهم يتلون كتابهم
الذي يأمرهم بالإيمان الجديد. ومع أنهم متأكدون من صدق رسالة رسول الله صلى الله
عليه وسلم. إلا أنهم لا يؤمنون. ولو كان عندهم ذرة من العقل لآمنوا بما يطلبه منهم
كتابهم الذي يتلونه. ولكنهم لا يفكرون بعقولهم، وإنما يريدون علوا في
الأرض.
والآية ـ كما قلنا ـ لا تنطبق على اليهود وحدهم. بل على كل من يسلك هذا
السلوك..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:51

سورة البقرة

(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم
على العالمين "47")

يدعي بعض الناس أن هناك تكرار. للآيات السبع التي سبق
فيها تذكير بني إسرائيل.
نقول: لا لم تتكرر هذه الآيات .. وهي قوله تعالى:


{يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم
وإياي فارهبون "40" وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا
تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون "41" ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا
الحق وأنتم تعلمون "42" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "43"
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنت تتلون الكتاب أفلا تعقلون "44" واستعينوا
بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين "45" الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم
وأنهم إليه راجعون "46"} (سورة البقرة)

هذه الآيات السبع كلها تذكر بني
إسرائيل. برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي جاء وصف صفاته وزمنه في
التوراة ولتذكيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هو نعمة إليهم وإلى الناس
جميعا. وإذا كان الله قد فضل بني إسرائيل بأن أرسل رسلا. فليس معنى ذلك أن ينكروا
نعمة الله عليهم بالرسول الخاتم. وبما أن أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
ذكرت في التوراة وطلب منهم أن يؤمنوا به وينصروه فإن عدم إيمانهم به هو كفر
بالتوراة. كما أن الإنجيل بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم وطلب منهم أن يؤمنوا به.
فعدم إيمانهم به كفر بالإنجيل.

وقوله تعالى: "اذكروا نعمتي التي أنعمت
عليكم" أي اذكروا أنني جعلت في كتابكم ما يثبت صدق محمد صلى الله عليه وسلم في
نبوته. والمعنى اذكروا نعمتي بأني فضلتكم على العالمين ممن عاصروكم وقت نزول رسالة
موسى. وجعلت منكم الأنبياء. ومادام الحق سبحانه وتعالى .. قد فضلهم على العالمين ..
فكيف يمن عليهم؟ نقول المن هنا لشدة النكاية بهم. فالله سبحانه وتعالى. لشدة
معصيتهم وكفرهم واقرأ قوله تعالى:

{ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت
فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين "65" } (سورة البقرة)

وقوله تعالى:


{قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل
منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل "60"}
(سورة المائدة)

فالله سبحانه وتعالى يبين لنا كيف كفر بنوا إسرائيل
بأنبيائهم وقتلوهم. رغم أن الله تعالى أعطاهم خيرا كثيرا .. ولكنهم نكثوا العهد ..
فاستحقوا العذاب. فهم لم يجعلوا نعمة الله عليهم سببا في إخلاصهم والإيمان به
سبحانه وتصديق منهجه. وتصديق الرسول الخاتم الذي ذكر عندهم في التوراة. كان يجب أن
يؤمنوا بالله وأن يذكروا نعمه الكثيرة التي تفضل بها عليهم.

والحق يريد أن
يلتفنا إلي أنه مادام قد أنعم عليهم .. فلا يظنون أنهم غير مطالبين بالإيمان بمحمد
عليه الصلاة والسلام. وإنما كان لابد أن يفهموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جاء ليصحح لهم كتابهم. ويوضح لهم الطريق الصحيح .. فكان يجب عليهم أن ينصروه.
والنعمة لا يمكن أن تستمر مع الكفر بها. وحتى لا نظن أن الله سبحانه وتعالى قد قسا
عليهم بأن جعلهم أمما متفرقة في الأرض كلها. ثم بعد ذلك يجمعون في وطن واحد ليقتلوا
.. واقرأ قوله تعالى:

{وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} (من الآية
104 سورة الإسراء)
أي أرض تلك التي طلب الله سبحانه وتعالى من بني إسرائيل أن
يسكنوها؟
مادام الحق سبحانه وتعالى قال: "اسكنوا الأرض" فهي الأرض كل الأرض.
وهل تكون الأرض كلها وطنا لليهود. طبعاً لا. ولكن الحق سبحانه كتب عليهم أن يتفرقوا
في الأرض. فلا تكون لهم دولة إلا عندما يشاء الله أن يجمعهم في مكان واحد. ثم يسلط
عليهم عباده المؤمنين. والحق سبحانه وتعالى يقول:

{وقضينا إلي بني إسرائيل
في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيراً "4" فإذا جاء وعد أولهما بعثنا
عليكم عباداً لنا أولى بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً "5" ثم
رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين وجعلنكم أكثر نفيراً "6"} (سورة
الإسراء)

هذه هي المرة الأولى التي انتصر فيها المسلمون على
اليهود.

يقول الحق سبحانه وتعالى. "ثم رددنا لكم الكرة عليهم" ومادام الحق
سبحانه وتعالى قال عليهم فهي على المسلمين. لأنهم هم الذين انتصروا على
اليهود.

وقوله تعالى: "وأمددناكم بأموال وبنين" معناها أنهم ينتصرون على
المسلمين وهذا ما هو حادث الآن، وما شاهدناه وما نشاهده في الفترة الأخيرة. أي أن
المدد والقوة تأتيهم من الخارج وليس من ذاتهم.
ونحن نرى أن إسرائيل قائمة على
جلب المهاجرين اليهود من الدول الأخرى وجلب الأموال والمساعدات من الدول الأخرى
أيضا. أي أن كل هذا يأتيهم بمدد من الخارج. وإسرائيل لا تستطيع أن تعيش إلا
بالمهاجرين إليها. وبالمعونات التي تأتيها. بالمدد لابد أن يأتي من الخارج. إذا
كانت هناك معركة وطلب قائد المدد .. فمعناه أنه يريد رجالا يأتونه من خارج أرض
المعركة ليصبحوا مددا وقوة لهذا الجيش.

وقوله تعالى: "وجعلناكم أكثر نفيرا"
النفير هو الصوت العالي الذي يجذب الانتباه. ونحن نرى الآن أن إسرائيل تسيطر على
وسائل الإعلام والدعاية في العالم. وأن صوتها عال ومسموع ..

ويقول الحق
سبحانه وتعالى: "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول
مرة" .. ومعنى هذا أن المسجد الأقصى سيضيع من المسلمين ويصبح تحت حكم اليهود فيأتي
المسلمون ويحاربونهم ويدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي
الله عنه.

ويقول الله تعالى: "فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا" واللفيف
هو الجمع غير المتجانس. الذي يتنافر مع نفسه ومع من حوله. وبما أن الله سبحانه
وتعالى قد قضى أن يحدث قتال بين اليهود وبين المسلمين .. يستعيد فيه المسلمون
المسجد الأقصى. فكان لابد أن يجمعهم في مكان واحد. لأنهم لو بقوا كجاليات متفرقة في
كل دول العالم ومعزولة عن المجتمعات التي يعيشون فيها لاقتضى ذلك أن يحارب المسلمون
العالم كله. ولكن الله سبحانه وتعالى سيأتي بهم من كل دولة إلي المكان الذي فيه بيت
المقدس حتى يمكن أن يحاربهم المسلمون، وأن يدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة.


فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم. وبمعاصيهم وكفرهم حتى
لا يقول أحد إن الله سبحانه كان قاسيا عليهم لأنهم هم الذين كفروا. وهم الذين عصوا
وأفسدوا في الأرض. فاستحقوا هذا العقاب من الله سبحانه وتعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:51

(واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل
ولاهم ينصرون "48")

قوله تعالى: "واتقوا يوما" يذكرهم بهذا اليوم. وهو يوم
القيامة الذي لا ينفع الإنسان فيه إلا عمله. ويطلب الحق سبحانه وتعالى منهم أن
يجعلوا بينهم وبين صفات الجلال لله تعالى في ذلك اليوم وقاية.
أن هناك آية أخرى
تقول:

{واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا
تنفعها شفاعة ولاهم ينصرون "123" } (سورة البقرة)

وهذه الآية وردت مرتين.
وصدر الآيتين متفق. ولكن الآية الأولى تقول: "ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها
عدل ولاهم ينصرون" والآية الثانية: "ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولاهم
ينصرون" هل هذا تكرار؟ نقول لا. والمسألة تحتاج إلي فهم. فالآيتان متفقتان في
مطلعهما: في قوله تعالى: "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا". ففي الآية الأولى
قدم الشفاعة وقال: لا تقبل. والثانية أخر الشفاعة وقال لا تنفع. الشفاعة في الآية
الأولى لا يقبل منها شفاعة. وفي الآية الثانية .. لا تنفعها شفاعة.
والمقصود
بقوله تعالى: "اتقوا يوما" هو يوم القيامة الذي قال عنه سبحانه وتعالى:


{يوم لا تملك نفس لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله "19" } (سورة الانفطار)


وقوله تعالى: "ولا تجزي نفس عن نفس شيئا" كم نفسا هنا؟ أنهما اثنتان. نفس
عن نفس. هناك نفس أولى ونفس ثانية. فما هي النفس الأولى؟ النفس الأولى هي الجازية.
والنفس الثانية .. هي المجزي عنها .. ومادام هناك نفسان فقوله تعالى: "لا تقبل منها
شفاعة" هل من النفس الأولى أو الثانية؟ إذا نظرت إلي المعنى فالمعنى أنه سيأتي
إنسان صالح في يوم القيامة ويقول يا رب أنا سأجزي عن فلان أو أغني عن فلان أو أقضي
حق فلان. النفس الأولى أي النفس الجازية تحاول أن تتحمل عن النفس المجزي عنها.

ولكي نقرب المعنى ولله المثل الأعلى نفترض أن حاكما غضب على أحد من الناس وقرر
أن ينتقم منه أبشع انتقام. يأتي صديق لهذا الحاكم ويحاول أن يجزي عن المغضوب عليه.
فبما لهذا الرجل من منزلة عند الحاكم يحاول أن يشفع للطرف الثالث. وفي هذه الحالة
أما أن يقبل شفاعته أو لا يقبلها. فإذا لم يقبل شفاعته فأنه سيقول للحاكم أنا سأسدد
ما عليه .. أي سيدفع عنه فدية، ولا يتم ذلك إلا إذا فسدت الشفاعة.
فإذا كانت
المساومة في يوم القيامة ومع الله سبحانه وتعالى .. يأتي إنسان صالح ليشفع عند الله
تبارك وتعالى لإنسان أسرف على نفسه. فلابد أن يكون هذا الإنسان المشفع من الصالحين
حتى تقبل شفاعته عند الحق جل جلاله. واقرأ قوله سبحانه:

{من ذا الذي يشفع
عنده إلا بإذنه} (من الآية 255 سورة البقرة)

وقوله تعالى:

{يعلم ما
بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن أرتضى وهم من خشيته مشفقون "78" }

(سورة الأنبياء)

والإنسان الصالح يحاول أن يشفع لمن أسرف على نفسه فلا
تقبل شفاعته ولا يؤخذ منه عدل ولا يسمح لها بأي مساومة أخرى. إذن لا يتكلم عن العدل
في الجزاء إلا إذا فشلت الشفاعة. هنا الضمير يعود إلي النفس الجازية. أي التي تتقدم
للشفاعة عند الله. فيقول الحق سبحانه وتعالى: "لا يقبل منها شفاعة" فلا يقبل منها
أي مساومة أخرى.
ويقول سبحانه: "ولا يؤخذ منها عدل". وهذا ترتيب طبيعي للأحداث.
في الآية الثانية يتحدث الله تبارك وتعالى عن النفس المجزي عنها قبل أن تستشفع
بغيرها وتطلب منه أن يشفع لها. لابد أن تكون قد ضاقت حيلها وعزت عليها الأسباب.
فيضطر أن يذهب لغيره. وفي هذا اعتراف بعجزه. فيقول يا رب ماذا أفعل حتى أكفر عن
ذنوبي فلا يقبل منه. فيذهب إلي من تقبل منهم الشفاعة فلا تقبل شفاعتهم.
وإذا
أردنا أن نضرب لذلك مثلا من القرآن الكريم فاقرأ قول الحق تبارك وتعالى:


{ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا
نعمل صالحاً إنا موقنون "12"} (سورة السجدة)

هؤلاء هم الذين يطلبون العدل
من الله. بأن يعيدهم إلي الدنيا ليكفروا عن سيئاتهم. ويعملوا عملا صالحا ينجيهم من
العذاب. ذلك أن الحسنات يذهبن السيئات .. فماذا كان رد الحق سبحانه وتعالى عليهم.
قال جل جلاله:

{فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب
الخلد بما كنتم تعملون "14"}
(سورة السجدة)

فهم عرضوا أن يكفروا عن
سيئاتهم. بأن طلبوا العودة إلي الدنيا ليعملوا صالحا. فلم يقبل الله سبحانه وتعالى
منهم هذا العرض. اقرأ قوله تبارك وتعالى:

{ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا
أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون "53"}
(سورة الأعراف)

لقد طلب هؤلاء الشفاعة أولا ولم تقبل. فدخلوا في حد آخر وهو
العدل فلم يؤخذ مصداقا لقوله تعالى: "لا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل" ..
وهكذا نرى الاختلاف في الآيتين.
فليس هناك تكرار في القرآن الكريم .. ولكن
الآية التي نحن بصددها تتعلق بالنفس الجازية. أو التي تريد آن تشفع لمن أسرف على
نفسه: "فلا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل". والآية الثانية: "لا يقبل منها عدل
ولا تنفعها شفاعة". أي أن الضمير هنا عائد على النفس المجزي عنها. فهي تقدم العدل
أولا: "أرجعنا نعمل صالحا" فلا يقبل منها، فتبحث عن شفعاء فلا تجد ولا تنفعها
شفاعة.

{ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم} (من الآية 151
سورة الأنعام)

والآية الثانية في قوله سبحانه:

{ولا تقتلوا أولادكم
خشية إملاقٍ نحن نرزقهم وإياكم} (سورة الإسراء)

يقول بعض الناس أن "نرزقكم"
في الآية الأولى "ونرزقهم" في الآية الثانية من جمال الأسلوب.
نقول لا. قوله
تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" أي من فقر موجود. ومادام الفقر موجودا
فالإنسان لا يريد أولادا ليزداد فقره. ولذلك قال له الحق سبحانه وتعالى: "نحن
نرزقكم وإياهم". أي أن مجيء الأولاد لن يزيدكم فقرا. لأن لكم رزقكم ولهم رزقهم.
وليس معنى أن لهم رزقهم أن ذلك سينقص من رزقكم .. فللأب رزق وللولد رزق. أما في
الآية الثانية: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق" فكأن الفقر غير موجود. ولكنه يخشى
أن رزق بأولاد بأنه الفقر. يقول له الحق: "نحن نرزقهم وإياكم". أي أن رزقهم سيأتيهم
قبل رزقكم.

فعندما تقرأ قول الله سبحانه وتعالى: "اتقوا يوما لا تجزي نفس
عن نفس شيئا" مكررة في الآيتين لا تظن أن هذا تكرار. لأن إحداهما ختامها: "لا يقبل
منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل". والثانية: "لا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة".
فالضمير مختلف في الحالتين. مرة يرجع إلي النفس الجازية فقدم الشفاعة وأخر العدل.
ولكن في النفس المجزي عنها يتقدم العدل وبعد ذلك الشفاعة. الحق سبحانه وتعالى يقول:


{يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو
جازٍ عن والده شيئاً }
(من الآية 33 سورة لقمان)

أي أن الإنسان لا يمكن
أن يجزى عن إنسان مهما بلغت قرابته .. لا يجزي الولد عن أمه أو أبيه. أو يجزى
الوالد عن أولاده. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{يوم يفر المرء من أخيه "34"
وأمه وأبيه "35" وصاحبته وبنيه "36" لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه "37"} (سورة
عبس)

وقول الحق سبحانه وتعالى: "لا يقبل منها عدل": "لا يؤخذ منها عدل".
العدل هو المقابل. كأن يقول المسرف على نفسه يا رب فعلت كذا وأسرفت على نفسي فأعدني
إلي الدنيا اعمل صالحا. وكلمة العدل مرة تأتي بكسر العين وهي مقابل الشيء من جنسه.
أي أن يعدل القماش قماش مثله ويعدل الذهب ذهب مثله. وعدل بفتح العين مقابل الشيء
ولكن من غير جنسه. والعدل معناه الحق والعدل لا يكون إلا بين خصمين. ومعناه الإنصاف
ومعناه الحق. والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير. وأنك لا تتحيز لجهة على حساب
جهة أخرى. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يجلس مع أصحابه يوزع
نظره إلي كل الجالسين .. حتى لا يقال أنه مهتم بواحد منهم عن الآخر.

ولابد
أن نعرف ما هي النفس. كلمة النفس إذا وردت في القرآن الكريم فافهم أن لها علاقة
بالروح. حينما تتصل الروح بالمادة وتعطيها الحياة توجد النفس. المادة وحدها قبل أن
تتصل بها الروح تكون مقهورة ومنقادة مسبحة لله. فلا تقل الحياة الروحية والحياة
المادية. لأن الروح مسبحة والمادة مسبحة. ولكن عندما تلتقي الروح بالمادة وتبدأ
الحياة تتحرك الشهوات يبدأ الخلل. والموت يترتب عليه خروج الروح من الجسد. الروح
تذهب إلي عالمها التسخيري. والمادة تذهب إلي عالمها التسخيري.
وذلك يجعلنا نفهم
قول الحق سبحانه وتعالى:

{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما
كانوا يعملون "24"} (سورة النور)

لماذا تشهد؟ لأنها لم تعد مسخرة للإنسان
تتبع أوامره في الطاعة والمعصية. فحواسك مسخرة لك بأمر الله في الحياة الدنيا وهي
مسبحة وعابدة. فإذا أطاعتك في معصية فأنها تلعنك لأنك أجبرتها على المعصية فتأتي
يوم القيامة وتشهد عليك. والله سبحانه وتعالى يقول:

{ونفس وما سواها "7"
فألهما فجورها وتقواها "8" } (سورة الشمس)

ولقد شاع عند الناس لفظ الحياة
المادية والحياة الروحية. لأن الحياة الروحية تختلف عن الروح التي في جسدك. وهي
تنطبق على الملائكة مصداقا لقوله تعالى:

{نزل به الروح الأمين "193" }
(سورة الشعراء)

وقوله جل جلاله:

{وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا
} (من الآية 52 سورة الشورى)

هذه هي الروح التي فيها النقاء والصفاء.


وقوله تعالى: "ولا هم ينصرون". أي أن الله سبحانه وتعالى إذا أقضي عليهم
العذاب لا يستطيع أحد نصرهم أو وقف عذابهم. لا يمكن أن يحدث هذا. لأن الأمر كله
لله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:51

(وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي
ذلكم بلاء من ربكم عظيم "49")

بعد أن حذر الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل
من يوم لا تنفع فيه الشفاعة. أراد أن يذكرهم بفضله عليهم وبنعمه.

قوله
تعالى: "إذ" هي ظرف لشيء وسبق أن قلنا أن الظرف نوعان. لأن كل حدث من الأحداث يحتاج
إلي زمان يقع فيه وإلي مكان يقع فيه. وعندما أقول لك اجلس مكانك. هذا الظرف يراد به
المكان. وعندما يخاطب الله عز وجل عباده: أذكر إذ فعلت كذا. أي اذكر وقت أن فعلت
كذا ظرف زمان.

وقول الحق تبارك وتعالى: "وإذ نجيناكم" أي اذكروا الوقت الذي
نجاكم فيه من فرعون.
والآية التي نحن بصددها وردت ثلاث مرات في القرآن الكريم.
قوله تعالى:

{وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم
ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم "49"} (سورة البقرة)

{وإذ
نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم} (من
الآية 141 سورة الأعراف)

{وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب
ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} (من الآية 6 سورة إبراهيم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:52

الاختلاف بين الأولى والثانية هو قوله تعالى في الآية الأولى: "يذبحون أبناءكم".
وفي الثانية: (يقتلون أبناءكم). "ونجينا" في الآية الأولى: "وأنجينا" في الآية
الثانية.
ما الفرق بين نجينا وأنجينا؟ هذا هو الخلاف الذي يستحق أن تتوقف عنده
..
في سورة البقرة: "وإذ نجيناكم من آل فرعون" .. الكلام هنا من الله. أما في
سورة إبراهيم فنجد "اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم". الكلام هنا كلام موسى عليه
السلام.
ما الفرق بين كلام الله سبحانه وتعالى وكلام موسى؟.
أن كلام موسى
يحكي عن كلام الله. أن الله سبحانه وتعالى حين يمتن على عباده يمتن عليهم بقمم
النعمة، ولا يمتن بالنعم الصغيرة. والله تبارك وتعالى حين امتن على بني إسرائيل
قال: "نجيناكم من آل فرعون يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم". ولم يتكلم عن العذاب
الذي كان يلاقيه قوم موسى من آل فرعون. أنهم كانوا يأخذونهم أجراء في الأرض ليحرثوا
وفي الجبال لينحتوا الحجر وفي المنازل ليخدموا. ومن ليس له عمل يفرضون عليه الجزية.
ولذلك كان اليهود يمكرون ويسيرون بملابس قديمة حتى يتهاون فرعون في أخذ الجزية
منهم. وهذا معنى قول الحق سبحانه وتعالى:

{وضربت عليهم الذلة والمسكنة }
(من الآية 61 سورة البقرة)

أي أنهم يتمسكون ويظهرون الذلة حتى لا يدفعوا
الجزية. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يمتن عليهم بأنه أنجاهم من كل هذا العذاب. بل
يمتن عليهم بقمة النعمة. وهي نجاة الأبناء من الذبح واستحياء النساء. لأنهم في هذه
الحالة ستستذل نساؤهم ورجالهم. فالمرأة لا تجد رجلا يحميها وتنحرف.

كلمة نجى
وكلمة أنجى بينهما فرق كبير. كلمة نجى تكون وقت نزول العذاب. وكلمة أنجى يمنع عنهم
العذاب. الأولى للتخليص من العذاب والثانية يبعد عنهم عذاب فرعون نهائيا. ففضل الله
عليهم كان على مرحلتين. مرحلة أنه خلصهم من عذاب واقع عليهم. والمرحلة الثانية أنه
أبعدهم عن آل فرعون فمنع عنهم العذاب.

قوله تعالى: "يسومونكم سوء العذاب"
ما هو السوء؟ أنه المشتمل على ألوان شتى من العذاب كالجلد والسخرة والعمل بالأشغال
الشاقة. ما معنى يسوم؟ يقال سام فلان خصمه أي أذله وأعنته وأرهقه. وسام مأخوذة من
سام الماشية تركها ترعى. لذلك سميت بالسام أي المتروكة. وعندما يقال إن فرعون يسوم
بني إسرائيل سوء العذاب. معناها أن كل حياتهم ذل وعذاب .. فتجد أن الله سبحانه
وتعالى عندما يتكلم عن حكام مصر من الفراعنة يتكلم عن فراعنة قدماء كانوا في عهد
عاد وعهد ثمود. واقرأ قوله تعالى:

{والفجر "1" وليال عشرٍ "2" والشفع
والوتر "3" والليل إذا يسر "4" هل في ذلك قسم لذي حجرٍ "5" ألم تر كيف فعل ربك
بعادٍ "6" إرم ذات العماد "7" التي لم يخلق مثلها في البلاد "8" وثمود الذين جابوا
الصخر بالواد "9" وفرعون ذي الأوتاد "10" الذين طغوا في البلاد "11" فأكثروا فيها
الفساد "12" } (سورة الفجر)

أي أن الله تبارك وتعالى جاء بحضارة الفراعنة
وقدماء المصريين بعد عاد وثمود وهذا دليل على أن حضارة عاد وثمود قديمة. والله
سبحانه وتعالى وصف عادا بأنها التي لم يخلق مثلها في البلاد. أي أنها حضارة أرقى من
حضارة قدماء المصريين. قد يتساءل بعض الناس كيف يصف الله سبحانه وتعالى عادا بأنها
التي لم يخلق مثلها في البلاد. مع أنه يوجد الآن حضارات متقدمة كثيرة؟

نقول
إن الله قد كشف لنا حضارة الفراعنة وآثارهم. ولكنه أخفى عنا حضارة عاد. ولقد وجدنا
في حضارة الفراعنة أشياء لم نصل إليها حتى الآن. مثل براعتهم في تحنيط الموتى
والمحافظة على الجثث. وبناء الأهرامات وغير ذلك. وبما أن حضارة عاد كانت أرقى من
حضارة الفراعنة. فإنها تكون قد وصلت إلي أسرار مازالت خافية على العالم حتى الآن.
ولكنا لا نعرف شيئا عنها، لأن الله لم يكشف لنا آثارها.

ولقد تحدث الحق
تبارك وتعالى عن الفراعنة باسم فرعون. وتكلم عنهم في أيام موسى باسم آل فرعون. ولكن
الزمن الذي كان بين عهدي يوسف وموسى لم يسم ملك مصر فرعون، إنما سماه العزيز الذي
هو رئيس الوزراء ورئيسه الملك. وقال الحق تبارك وتعالى:

{وقال الملك ائتوني
به } (من الآية 50 سورة يوسف)

إذن فالحاكم أيام يوسف كان يسمى ملكا ولم يسم
فرعون. بينما حكام مصر قبل يوسف وبعده كانوا يلقبون بفرعون. ذلك لأنه قبل عهد يوسف
عليه السلام حكم مصر الهكسوس أهل بني إسرائيل. فقد أغاروا على مصر وانتصروا على
الفراعنة. وحكموا مصر سنوات حتى تجمع الفراعنة وطردوهم منها. والغريب أن هذه القصة
لم تعرف إلا بعد اكتشاف حجر رشيد، وفك رموز اللغة الهيروغليفية. وكان ملوك الهكسوس
من الرعاة الذين استعمروا مصر فترة. ولذلك نرى في قصة يوسف عليه السلام قول الله
سبحانه وتعالى: "وقال الملك ائتوني به".

وهكذا نعلم أن القرآن الكريم قد
روي بدقة قصة كل حاكم في زمنه. وصف الفراعنة بأنهم الفراعنة. ثم جاء الهكسوس فلم
يكن هناك فرعون ولكن كان هناك ملك. وعندما جاء موسى كان الفراعنة قد عادوا لحكم
مصر. فإذا كان هذا الأمر لم نعرفه إلا في مطلع القرن الخامس. عندما اكتشف الفرنسيون
حجر رشيد، ولكن القرآن أرخ له التاريخ الصحيح منذ أربعة عشر قرنا. وهذه معجزة تنضم
لمعجزات كبيرة في القرآن الكريم عن شيء كان مجهولا وقت نزول القرآن وأصبح معلوما
الآن. لنجد أن القرآن جاء به في وضعه الصحيح والسليم.

بعد أن تحدثنا عن
الفرق بين نجيناكم وأنجيناكم. نتحدث عن الفرق بين "يذبحون أبناءكم". و"يقتلون
أبناءكم" .. الذبح غير القتل .. الذبح لابد فيه من إراقة دماء. والذبح عادة يتم
بقطع الشرايين عند الرقبة، ولكن القتل قد يكون بالذبح أو بغيره كالخنق والإغراق. كل
هذا قتل ليس شرطا فيه أن تسفك الدماء. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أن
فرعون حينما أراد أن ينتقم من ذرية بني إسرائيل انتقم منهم انتقامين .. انتقاما
لأنهم كانوا حلفاء للهكسوس وساعدوهم على احتلال مصر. ولذلك فإن ملك الهكسوس اتخذ
يوسف وزيرا. فكأن الهكسوس كانوا موالين لبني إسرائيل. وعندما انتصر الفراعنة
انتقموا من بني إسرائيل بكل وسائل الانتقام. قتلوهم وأحرقوا عليهم بيوتهم.


أما مسألة الذبح في قوله تعالى: "يذبحون أبناءكم" فلقد رأى فرعون نارا هبت
من ناحية بيت المقدس فأحرقت كل المصريين ولم ينج منها غير بني إسرائيل. فلما طلب
فرعون تأويل الرؤيا. قال له الكهان يخرج من ذرية إسرائيل ولد يكون على يده نهاية
ملكك. فأمر القوابل (الدايات) بذبح كل مولود ذكر من ذرية بني إسرائيل. ولكن قوم
فرعون الذين تعودوا السلطة قالوا لفرعون: أن بني إسرائيل يوشك أن ينقرضوا وهم
يقومون بالخدمات لهم. فجعل الذبح سنة والسنة الثانية يبقون على المواليد الذكور
وهارون ولد في السنة التي لم يكن فيها ذبح فنجا. وموسى ولد في السنة التي فيها ذبح
فحدث ما حدث.

إذن سبب الذبح هو خوف فرعون من ضياع ملكه. وفرض الذبح حتى
يتأكد قوم فرعون من موت المولد. ولو فعلوه بأي طريقة أخرى كأن القوة من فوق جبل أو
ضربوه بحجر غليظ. أو طعنوه بسيف أو برمح قد ينجو من الموت. ولكن الذبح يجعلهم
يتأكدون من موته في الحال فلا ينجو أحد.

والحق يقول: "يسومونكم سوء العذاب
يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم". كلمة الابن تطلق على الذكر، ولكن الولد يطلق على
الذكر والأنثى. ولذلك كان الذبح للذكور فقط. أما النساء فكانوا يتركونهن أحياء.
ولكن لماذا لم يقل الحق تبارك وتعالى يذبحون أبناءكم ويستحيون بناتكم بدلا من قوله
يستحيون نساءكم. الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أن الفكرة من هذا هو إبقاء
عنصر الأنوثة يتمتع بهن آل فرعون. لذلك لم يقل بنات ولكنه قال نساء. أي أنهم
يريدونهن للمتعة وذلك للتنكيل ببني إسرائيل. ولا يقتل رجولة الرجل إلا أنه يرى
الفاحشة تصنع في نسائه.

والحق سبحانه وتعالى يقول: "وفي ذلكم بلاء من ربكم
عظيم". ما هو البلاء؟ بعض الناس يقول إن البلاء هو الشر. ولكن الله تبارك وتعالى
يقول: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" إذن هناك بلاء بالخير وبلاء
بالشر. والبلاء كلمة لا تخيف. أما الذي يخيف هو نتيجة هذا البلاء؛ لأن البلاء هو
امتحان أو اختبار. إن أديته ونجحت فيه كان خيرا لك. وأن لم تؤده كان وبالا عليك.
والحق سبحانه وتعالى يقول في خليله إبراهيم:

{وإذا ابتلى إبراهيم ربه
بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً } (من الآية 124 سورة البقرة)


فإبراهيم نجح في الامتحان، والبلاء جاء لبني إسرائيل من جهتين .. بلاء الشر
بتعذيبهم وتقتيلهم وذبح أبنائهم. وبلاء الخير بإنجابهم من آل فرعون. ولقد نجح بنو
إسرائيل في البلاء الأول. وصبروا على العذاب والقهر وكان بلاء عظيما. وفي البلاء
الثاني فعلوا أشياء سنتعرض لها في حينها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:52

سورة البقرة

(وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون
"50")

مرة ثانية "وإذ". ويأتي الانجاء وسيلة. هذه الوسيلة ذكرتها الآية
الكريمة. فقد خرج موسى وقومه وكانوا ستمائة ألف كما تقول الروايات. وعرف فرعون
بخروجهم فخرج وراءهم على رأس جيش من ألف ألف (مليون). عندما رآهم قوم موسى كما يروي
لنا القرآن الكريم:

{قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } (من
الآية 129 سورة الأعراف)

وعندما جاء قوم فرعون بعددهم الضخم يقاومون قوم
موسى وتراءى الجمعان أي أنهم رأوهم رؤية العين قال قوم موسى "أنا لمدركون" وهذا
كلام منطقي. فأمامهم البحر ووراءهم فرعون وجنوده. ولكن حين تخرج الأحداث من نطاق
الأسباب إلي قدرة المسبب فهي لا تخضع لأسباب الكون. "كلا أن معي ربي سيهدين". وبذلك
نقل المسألة من الأسباب إلي المسبب تبارك وتعالى. فبمنطق الأحداث يكون فرعون وجنوده
سيدركونهم. ولكن بمنطق الحق سبحانه وتعالى فإنه سيهيئ لهم طريق النجاة.


وأوحى الله سبحانه وتعالى إلي موسى بأن يضرب بعصاه البحر وأصبح كل جزء منه
كالجبل.
ذرات الماء تماسكت مع بعضها البعض لتكون جبلين كبيرين بينهما يابس يمر
منه بنو إسرائيل.
هذا هو معنى قوله تعالى: "وإذ فرقنا بكم البحر" والفرق هو
الفصل بين شيئين .. وإذا كان البحر قد انشق .. فأين ذهب الطين المبتل في قاع البحر؟
..
قالوا أن الله أرسل ريحا مرت عليه فجففته. ولذلك قال الحق جل جلاله: "طريقا
في البحر يبسا"
ويقال أنه حين كان موسى وقومه يعبرون البحر سألوا عن بقية
إخوانهم. فقال لهم موسى أنهم في طرق أخرى موازية لطريقنا. قالوا نريد أن نطمئن
عليهم. فرفع موسى يده إلي السماء وقال اللهم أعني على أخلاقهم السيئة. فأوحى الله
إلي موسى أن يضرب بعصاه الحواجز فانفتحت طاقة بين كل ممر. فكانوا يرون بعضهم بعضا.
وعندما رأى موسى عليه السلام فرعون وجيشه يتجهون إلي البحر ليعبروه. أراد أن يضرب
البحر ليعود إلي السيولة. فلا يلحق بهم آل فرعون. ولكن الله أوحى إليه:


{وأترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون "24" } (سورة الدخان)

أي أترك
البحر على ما هو عليه. حتى يتبعكم قوم فرعون. ظانين أنهم قادرون على أن يسلكوا نفس
الطريق ويمشوا فيه. وحينما يكون أولهم قريبا من شاطئكم وأخرهم عند الشاطئ الآخر.
أعيد الماء إلي استطراقه. فأكون قد أنجيت وأهلكت بالسبب الواحد. فالحق سبحانه
وتعالى يريد أن يمن على بني إسرائيل بأنه أنجاهم من العذاب وأهلك عدوهم. فكان
العطاء عطاءين. عطاء إيجاب بأن أنجاهم وعطاء سلب بأن أهلك عدوهم.

وقوله
تعالى: "وأنتم تنظرون" في هذه الآية لم يتحدث الحق جل جلاله عن فرعون. وإنما حدث عن
إغراق آل فرعون. لماذا؟ لأن آل فرعون هم الذين أعانوه على جبروته وبطشه وطغيانه. هم
الأداة التي استخدمها لتعذيب بني إسرائيل.
والله سبحانه وتعالى أراد أن يرى بنو
إسرائيل آل فرعون وهم يغرقون فوقفوا يشاهدونهم. وأنت حين ترى مصرع عدوك. تشعر
بالمرارة التي في قلبك تزول
"وأنتم تنظرون" تحتمل معنى آخر. أي ينظر بعضكم إلي
بعض وأنتم غير مصدقين أنكم نجوتم من هذا البلاء العظيم. وفي نفس الوقت تطمئنون
وأنتم تشاهدونهم وهم يغرقون دون أن ينجو منهم أحد حتى لا يدخل في قلوبكم الشك. أنه
ربما نجى بعضهم وسيعودون بجيش ليتبعوكم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:52

(وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون
"51")

قول الحق سبحانه وتعالى "وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة" هذا الوعد كان
لإعطاء موسى المنهج، فحينما كلم الله سبحانه وتعالى موسى بجانب الطور .. كان هذا
لإبلاغ موسى عليه السلام أنه رسول من رب العالمين ـ وأنه أرسله ليخلص بني إسرائيل
من طغيان فرعون وعذابه .. وأنه سيمده بآيات ومعجزات .. حتى يقتنع فرعون وقومه أن
موسى رسول من الله تبارك وتعالى .. بعد تكليف موسى بالرسالة وذهابه إلي فرعون ..
وما حدث مع السحره ثم نجاة موسى وقومه .. بأن شق الله جل جلاله لهم البحر .. هذا في
وقت لم يكن المنهج قد نزل بعد .. ولذلك بمجرد أن نجى الله سبحانه وتعالى موسى وقومه
وأغرق فرعون .. كان لابد أن يتم إبلاغ موسى بالمنهج. وكان الوعد يشمل أربعين ليلة
.. هذه الليالي الأربعون حددت كثلاثين أولا .. تم أتمها الحق سبحانه وتعالى بعشر
أخرى .. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها
بعشرٍ فتم ميقات ربه أربعين ليلة }
(من الآية 142 سورة الأعراف)

وعندما
يتكلم الدين عن الزمن يتكلم دائما بالليلة .. والسبب في ذلك أنك لا تستطيع أن تحدد
الزمن بدقة بالنهار .. الشمس تشرق وتغرب ثم تعود لتشرق .. فإذا نظرت إلي قرص الشمس
.. لا يمكن أن تحدد في أي وقت من الشهر نحن .. هل في أوله أو في وسطه أو في آخره ..
ولكن إذا جاء الليل بمجرد أن تنظر إلي القمر تستطيع أن تحدد الزمن. فإذا كان القمر
هلالا فنحن في أوائل الشهر .. وإذا كان بدرا فنحن في وسطه وهكذا .. إن هناك مقاييس
دقيقة بالنسبة للقمر وقياس الزمن في عرف الناس؛ الإنسان العادي يستطيع أن يحدد لك
الزمن بالتقريب بالليالي .. ويقول لك البدوي في الصحراء، هذا القمر ابن كذا ليلة.
وفي منطق الدين نحسب كل شيء بدخول الليل .. فهذه ليلة الأول من شهر رمضان نصلي فيها
التراويح .. وليلة العيد لا تصلي فيها التراويح .. وليلة النصف من شعبان .. وليلة
الإسراء والمعراج..

وفي كل مقاييس الدين الليل لا يتبع النهار إلا في شيء
واحد هو يوم عرفه .. فلا نقول ليلة عرفه وإنما نقول يوم عرفه .. إذن الليلة هي
ابتداء الزمن في الدين .. والزمن عند الله مدته اثنا عشر شهرا للعام الواحد ..
السنة الميلادية تختلف عن السنة الهجرية .. والسبب في ذلك أن الله سبحانه وتعالى
وزع رحمته على كونه .. فلو أن المواقيت الدينية سارت على مواقيت الشمس .. لجاء
رمضان مثلا في شهر محدد لا يتغير .. يصومه الناس صيفا في مناطق محددة. وشتاء في
مناطق محددة ولا يختلف أبدا .. فيظل رمضان يأتي في الصيف والحر دائما بالنسبة لبعض
الناس .. وفي الشتاء والبرد دائما بالنسبة لبعض الناس..
ولكن لأن السنة الهجرية
تقوم على حساب الهلال .. فمعنى ذلك أن كل نفحات الله في كونه تأتي في كل الفصول
والأزمان .. فتجد رمضان في الصيف والشتاء .. وكذلك وقفة عرفات وكذلك كل المناسبات
الدينية الطيبة .. لأن السنة الهجرية تنقص أحد عشر يوما عن السنة الميلادية ..
والفرق سنة كل ثلاث وثلاثين سنة.

والحق سبحانه يقول: "تم اتخذتم العجل من
بعده وأنتم ظالمون". يريد أن يمحص بني إسرائيل .. ويبين لنا كفرهم بنعم الله. فالله
نجاهم من آل فرعون .. ولم يكادوا يعبرون البحر حتى رأوا قوما يعبدون الأصنام ..
فقالوا كما يروي لنا القرآن الكريم:

{يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم إلهة
} (من الآية 138 الأعراف)

حدث هذا بمجرد خروجهم من البحر سالمين .. موسى
عليه السلام أخذ النقباء وذهب لميقات ربه. وترك أخاه هارون مع بني إسرائيل .. وبنو
إسرائيل عندما كانوا يخدمون نساء آل فرعون .. أخذوا منهن بعض الحلي والذهب خلسة ..
ومع أن فرعون وقومه متمردون على الله تبارك وتعالى .. فإن هذا لا يبرر سرقة حلي
نسائهم .. فنحن لا نكافئ من عصى الله فينا بأن نعصي الله فيه .. ونصبح متساويين
معهم في المعصية .. ولكن نكافئ من عصى الله فينا بأن نطيع الله فيه..

وأبو
الدرداء رضي الله عنه حينما بلغه أن شخصا سبه .. بعث له كتابا قال فيه .. يا أخي لا
تسرف في شتمنا .. واجعل للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن
نطيع الله فيه ..
بنو إسرائيل سرقوا بعض حلي نساء آل فرعون .. فجعلها الله فتنة
لإغوائهم .. وزين لهم الشيطان أن يصنعوا منه عجلا يعبدونه .. صنعه لهم موسى السامري
الذي رباه جبريل .. فأخذ الحلي وصهرها ليجعلها في صورة عجل له خوار .. وقال لهم هذا
إلهكم وإله موسى.

أتعرف لماذا فتنهم الله سبحانه وتعالى بالعجل؟
لأن
الذهب المصنوع منه العجل من أصل حرام .. والحرام لا يأتي منه خير مطلقا .. ولابد أن
نأخذ العبرة من هذه الواقعة .. وهي أن الحرام ينقلب على صاحبه شراً ووبالا، إن كان
طعامك حراما يدخل في تكوين خلاياك ويصح في جسدك الحرام .. فإذا دخل الحرام إلي
الجسد يميل فعلك إلي الحرام .. فالحرام يؤرق الجسد ويسوقه إلي المعاصي ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:52

(ثم عفونا عنكم من بعد ذلك
لعلكم تشكرون "52")

الله سبحانه وتعلى يمن على بني إسرائيل مرة أخرى .. مع
أنهم ارتكبوا ذنبا من ذنوب القمة .. ومع ذلك عفا الله عنهم لأنه يريد أن يستبقى
عنصر الخير للناس .. يريد أن يعلم خلقه أنه رب رحيم. يفتح أبواب التوبة للواحد بعد
الآخر .. لتمحو خلايا الشر في النفس البشرية .. إن الإنسان حين يذنب ذنبا ينفلت من
قضية الإيمان .. ولو لم تشرع التوبة والعفو من الله لزاد الناس في معاصيهم وغرقوا
فيها .. لأنه إذا لم تكن هناك توبة وكان الذنب الواحد يؤدي إلي النار .. والعقاب
سينال الإنسان فإنه يتمادى في المعصية. وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى لعباده
.. وفي الحديث الشريف:
لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في
أرض فلاةٍ"
معنى الحديث .. رجل معه بعير يحمل ماله وطعامه وشرابه وكل ما يملكه.
هذا البعير تاه في صحراء جرداء .. بحث عنه صاحبه فلم يجده .. لقد فقده وفقد معه كل
مقومات حياته .. ثم ينظر فيراه أمامه .. كيف تكون فرحته؟ .. طبعا بلا حدود. هكذا
تكون فرحة الله تعالى بتوبة عبده المؤمن بل أشد من ذلك.

أن الله تبارك
وتعالى حين يفتح باب التوبة. يريد لحركة العالم أن تسير .. هب أن نفسا غفلت مرة ..
أو قادتها شهوتها مرة إلي معصية. أو وسوس الشيطان لها كما حدث مع آدم وحواء. لو لم
تكن هناك توبة ومغفرة .. لانقلب كل هؤلاء إلي شياطين .. بل إن أعمال الخير تأتي من
الذين أسرفوا على أنفسهم .. فهؤلاء يحسنون كثيرا ويفعلون الخير كثيرا .. مصداقاً
لقوله تعالى:

{إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } (من الآية 114
سورة هود)

وقوله جل جلاله:

{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها
} (من الآية 103 سورة التوبة)

إذن فكون الله سبحانه وتعالى يتوب على بني
إسرائيل مع أنهم كفروا بالقمة في عبادة العجل .. فذلك لأن الله يريد استبقاء الخير
في كونه .. ولقد عبد بنو إسرائيل العجل قبل أن ينزل عليهم المنهج وهو التوراة ..

ولكن هل بعد أن أنزل عليهم المنهج والتوراة تابوا وأصلحوا أو استمروا في
معصيتهم وعنادهم؟

**************************************************
*

(وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون "53")

الحق سبحانه
وتعالى يذكر بني إسرائيل هنا .. أنه بعد أن أراهم من المعجزات الكثير. ونجاهم من آل
فرعون وشق لهم البحر ـ كان لابد أن يؤمنوا إيمانا حقيقيا لا يشوبه أي نوع من التردد
.. ذلك لأنهم رأوا وشهدوا .. وكانت شهادتهم عين يقين. أي شهدوا بأعينهم ماذا حدث ..
ولكن هل استطاعت هذه المشاهدة أن تمحو من قلوبهم النفاق والكفر؟ .. لا .. لقد ظلوا
معاندين طوال تاريخهم. لم يأخذوا أي شيء بسهولة..
ولكن هل استطاعت هذه المشاهدة
أن تمحو من قلوبهم النفاق والكفر؟ .. لا .. لقد ظلوا معاندين طوال تاريخهم. لم
يأخذوا أي شيء بسهولة ..
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من أن
يكونوا كبني إسرائيل ويكونوا قوما شددوا فشدد الله عليهم .. وكان ذلك بالنسبة لقصة
البقرة .. التي أمروا أن يذبحوها ليعرفوا من القاتل في جريمة قتل كادت تثير حروبا
بينهم .. فأخذوا يسألون ما هي وما لونها إلي آخر ما سنتحدث عنه .. عندما نأتي إلي
الآيات الكريمة الخاصة بهذه الواقعة. فلو ذبحوا أي بقرة لكفتهم .. لأنه يكفي أن
يقول لهم الله سبحانه وتعالى اذبحوا بقرة فيذبحوا أي بقرة. وعدم التحديد يكون أسهل
عليهم .. ولكنهم سألوا وظلوا يسألون فشدد عليهم .. بتحديد بقرة معينة بذاتها ..

<ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من
قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم
وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه">

والله سبحانه وتعالى في قوله: "وإذ آتينا
موسى الكتاب والفرقان". كأن إتيان موسى الكتاب والفرقان .. نعمة يجب أن يذكرها قومه
.. وأن يستقبلوا منهج الله على أنه نعمة .. فلا يأخذ الإنسان التكليف الإلهي من
زاوية ما يقيد حركته ولا ما يعطيه له .. ذلك أن الله حين حرم عليك السرقة .. حرم
على الناس جميعا أن يسرقوك .. فإذا أخذ منك حريتك أن تسرق .. فقد أخذ من الناس كل
الناس حريتهم أن يسرقوا مالك .. وهذه حماية كبيرة لك.

ما هو الكتاب .. وما
هو الفرقان؟ .. الكتاب هو التوراة .. هو الذي يبين المنهج .. والفرقان هو الأشياء
التي يفرق الله فيها بين الحق والباطل .. فكأن الفرقان تطلق مرة على التوراة ..
لأنها تفرق بين الحق والباطل. وتطلق أيضا على كل ما يفرق بين الحق والباطل .. ولذلك
سمي يوم بدر يوم الفرقان .. لأنه فرق بين الحق والباطل .. فكأن منهج الله وكتابه
يبين لنا أين الحق وأين الباطل ويفرق بينهما.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:53

(وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلي بارئكم
فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم "54")


يذكر الله تبارك وتعالى بني إسرائيل بقصة عبادة العجل. وهي قصة مخالفة
خطيرة لمنهج الله ومخالفة في القمة .. عبادة الله وحده. والذي حدث أن موسى عليه
السلام ذهب لميقات الله ومعه نقباء قومه ليتلقى المنهج والتوراة .. وأخبره الله
سبحانه وتعالى أن قومه قد ضلوا وعبدوا غير الله .. وعاد موسى وهو في قمة الغضب.
وأمسك بأخيه هارون يجره من رأسه ولحيته .. ويقول له لقد اخلفتك عليهم لكيلا يضلوا،
فقال هارون عليه السلام:

{قال يا يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت
أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي "94"} (سورة طه)

فتنة عبادة
العجل حدثت بسبب السامري .. والسامري اسمه موسى السامري ولدته أمه في الصحراء وماتت
فكفله جبريل ورباه .. وكان جبريل عليه السلام يأتيه على حصان .. يحمل له ما يحتاج
إليه من طعام وشراب، وكان موسى السامري يرى حصان جبريل، كلما مشى على الأرض وقع منه
تراب فتخضر وتنبت الأرض بعد هذا التراب. وأيقن أن في حافر الحصان سراً .. فأخذ قبضة
من أثر الحصان ووضعها في العجل المصنوع من الذهب. فأخذ يحدث خوارا كأنه حي..


ولا تتعجب من أن صاحب الفتنة يجد معونة من الأسباب حتى يفتن بها الناس ..
لأن الله تبارك وتعالى يريد أن يمتحن خلقه. والذي يحمل دعوة الحق لابد أن يهيئه
الله سبحانه وتعالى تهيئة خاصة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينتقل إلي
المدينة .. تعرض هو والمسلمون لابتلاءات كثيرة .. ولقد جاء حدث الإسراء والمعراج
لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن تخلت عنه أسباب الدنيا في مكة وذهب إلي
الطائف يدعو أهلها فسلطوا عليه غلمانهم وسفهاءهم فقذفوه بالحجارة حتى أدموا قدميه
الشريفتين .. ورفع يديه إلي السماء بالدعاء المأثور:
"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي
وقلة حيلتي وهواني على الناس".. وليس هذا على الرسول وحده بل والمؤمنين معه .. حتى
أن مصعب بن عمير فتى قريش المدلل .. الذي كان عنده من الملابس والأموال والعبيد ما
لا يعد ولا يحصى رئي بعد إسلامه وهو يرتدي جلد حمار وذلك حتى يختبر الحق سبحانه
وتعالى في قلب مصعب بن عمير حبه للإيمان .. هل يحب الدنيا أكثر أو يحب الله ورسوله
أكثر .. حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يقول للصحابة انظروا كيف فعل
الإيمان بصاحبكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:53

والله تبارك وتعالى لابد أن يحصي ويختبر أولئك الذين سيحملون دعوته إلي الدنيا كلها
.. لابد أن يكونوا صابرين على البلاء. أقوياء أمام خصوم الدعوة .. مستعدين لتحمل
الأعباء والآلام .. لأن هذا هو دليل الصدق في الإيمان..
ولذلك تجد كل دعوة ضلال
تأتي بالفائدة لأصحابها .. دعوة الشيوعية يستفيد منها أعضاء اللجنة المركزية .. أما
الشعب فإنه يرتدي ملابس رخيصة .. ويسكن في بيوت ضيقة. أما السادة الذين ينفقون بلا
حساب فهم أعضاء اللجنة المركزية .. هذه دعوة الباطل .. وعكس ذلك دعوة الحق .. صاحب
الدعوة هو الذي يدفع أولا ويضحي أولا. لا ينتفع بما يقول بل على العكس يضحي في سبيل
ما يقول .. إذن الباطل يأتي بالخير لصاحب الدعوة. فإذا رأيت دعوة تغدق على أتباعها
فأعلم أنها دعوة باطل .. لولا أنها أعطت بسخاء ما تبعها أحد.

والآية
الكريمة التي نحن بصددها هي تقريع من موسى عليه السلام لقومه .. الذين نجاهم الله
من آل فرعون وأهلك عدوهم فاتخذوا العجل إلها .. ومتى حدث ذلك؟ في الوقت الذي كان
موسى فيه قد ذهب لميقات ربه ليأتي بالمنهج والذي اتخذوا العجل إلها .. هل ظلموا
الله سبحانه وتعالى أو ظلموا أنفسهم؟ .. ظلموا أنفسهم لأنهم أوردوها مورد التهلكة
دون أن يستفيدوا شيئا .. والظالم على أنواع .. ظالم في شيء أعلى أي في القمة ..
وظالم في مطلوب القمة .. الظالم في القمة هو الذي يجعل الله شريكا ولذلك قال الله
تعالى:

{إن الشرك لظلم عظيم } (من الآية 13 سورة لقمان)

وعلاقة
الشرك بالظلم أنك جئت بمن لم يخلق ومن لم يرزق شريكا لمن خلق ورزق .. وذلك الذي
جعلته إلها كيف يعبد؟ .. العبادة طاعة العابد للمعبود .. فماذا قال لكم هذا العجل
الذي عبدتموه من دون الله أن تفعلوا .. لذلك فأنتم ظالمون ظلم القمة .. والظلم
الآخر هو الظلم فيما شرعت القمة بأن أخذتم حقوق الناس واستبحتموها .. في كلتا
الحالتين لا يقع الظلم على الله سبحانه وتعالى ولكن على نفسك. لماذا؟ .. لأنك آمنت
بالله أو لم تؤمن. سيظل هو الله القوي القادر العزيز. لن ينقص إيمانك أو عدم إيمانك
من ملكه شيئا. ثم تأتي يوم القيامة فيعذبك. فكأن الظلم وقع عليك .. وإذا أخذت حقوق
الناس فقد تتمتع بها أياما أو أسابيع أو سنوات ثم تموت وتتركها وتأخذ العذاب. فكأنك
ظلمت نفسك ولم تأخذ شيئا .. لذلك يقول الحق جل جلاله:

{وما ظلمونا ولكن
كانوا أنفسهم يظلمون } (من الآية 57 سورة البقرة)

وظلم الناس يعود على
أنفسهم .. لأنه لا أحد من خلق الله يستطيع أن يظلم الله سبحانه وتعالى ..


وقوله سبحانه "فتوبوا إلي بارئكم" .. الحق تبارك وتعالى قال في الآية
السابقة "عفونا عنكم" ثم يقول هذه الآية "فتوبوا إلي بارئكم" .. لأن التوبة هي أصل
المغفرة.
أنت تتوب عن فعلك للذنب وتعتزم ألا تعود لمثله أبدا ويقبل الله توبتك
ويعفو عنك ..
وقد كان من الممكن أن يأخذهم الله بهذا الذنب ويهلكهم كما حدث
بالنسبة للأمم السابقة .. أما وقد شرع الله لهم أن يتوبوا فهذا فضل من الله
وعفو

ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "فاقتلوا أنفسكم" .. فانظروا إلي دقة
التكليف ودقة الحيثية في قوله تعالى: "فتوبوا إلي بارئكم فاقتلوا أنفسكم" الله
سبحانه وتعالى يقول لهم .. أنا لم أغلب عليكم خالقا خلقكم أو آخذكم منه .. ولكن أن
الذي خلقتكم. ولكن الخالق شيء والبارئ شيء آخر .. خلق أي أوجد الشيء من عدم ..
والبارئ أي سواه على هيئة مستقيمة وعلى أحسن تقويم .. ولذلك يقول الحق تبارك
وتعالى:

{الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" } (سورة الأعلى)


ومن هنا نعرف أن الخلق شيء والتسوية شيء آخر .. بارئكم مأخوذة من برئ السهم
.. وبرئ السهم يحتاج إلي دقة وبراعة. وقوله تعالى: "فاقتلوا أنفسكم" لأن الذي خلقك
وسواك كفرت به وعبدت سواه. فكأنك في هذه الحالة لابد أن تعيد له الحياة التي وهبها
لك .. وعندما نزل حكم الله تبارك وتعالى .. جعل موسى بني إسرائيل يقفون صفوفا. وقال
لهم أن الذي لم يعبد العجل يقتل من عبده .. ولكنهم حين وقفوا للتنفيذ .. فرحمهم
الله بأن بعث ضبابا يسترهم حتى لا يجدوا مشقة في تنفيذ القتل .. وقيل أنهم قتلوا من
أنفسهم سبعين ألفا. وعندما حدث ذلك أستصرخ موسى وهارون ربهم .. وقالا البكية
البكية. أي أبكوا عسى أن يغفر الله عنهم. ووقفوا يبكون أمام حائط المبكى فرحمهم
الله..

وقوله تعالى: "فاقتلوا أنفسكم" لأن هذه الأنفس بشهوتها وعصيانها ..
هي التي جعلتهم يتمردون على المنهج .. إن التشريع هنا بالقتل هو كفارة الذنب. لأن
الذي عبد العجل واتخذ إلها آخر غير الله. كونه يقدم نفسه ليقتل فهذا اعتراف منه بأن
العجل الذي كان يعبده باطل .. وهو بذلك يعيد نفسه التي تمردت على منهج الله إلي
العبادة الصحيحة .. وهذا أقسى أنواع الكفارة .. وهو أن يقتل نفسه إثباتا لإيمانه ..
بأنه لا إله إلا الله وندما على ما فعل وإعلانا لذلك .. فكأن القتل هنا شهادة صادقة
للعودة إلي الإيمان.

وقوله تعالى "ذلكم خير لكم عند بارئكم" .. أي أن هذه
التوبة هي أصدق أنواع التوبة .. وهي خير لأنها تنجيكم من عذاب الآخرة ..


وقوله سبحانه "فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم". التوبة الأولى أنه شرع
لكم الكفارة .. والتوبة الثانية عندما تقبل منكم توبتكم .. وعفا عنكم عفوا أبديا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:53

سورة البقرة

(وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم
الصاعقة وأنتم تنظرون "55")

بعد أن تاب الله على قوم موسى بعد عبادتهم
للعجل .. عادوا مرة أخرى إلي عنادهم وماديتهم. فهم كانوا يريدون إلها ماديا .. إلها
يرونه ولكن الإله من عظمته أنه غيب لا تدركه الأبصار .. واقرأ قوله تعالى:


{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "103"} (سورة
الأنعام)

فكون الله سبحانه وتعالى فوق إدراك البشر .. هذا من عظمته جل
جلاله .. ولكن اليهود الذين لا يؤمنون إلا بالشيء المادي المحس .. لا تتسع عقولهم
ولا قلوبهم إلي أن الله سبحانه وتعالى فوق المادة وفوق الأبصار .. وهذه النظرة
المادية نظرة حمقاء .. والله تبارك وتعالى قد لفتنا إلي قضية رؤيته جهرا في الدنيا
.. بقوله تعالى:

{وفي أنفسكم أفلا تبصرون "21" } (سورة الذاريات)


أي أن الله جل جلاله وضع دليل القمة على وجود الله الذي لا تدركه الأبصار.
وضع هذا الدليل في نفس كل واحد منا. وهي الروح الموجودة في الجسد .. والإنسان مخلوق
من مادة نفخت فيها الروح فدبت فيها الحياة والحركة والحس .. إذن كل ما في جسدك من
حياة .. ليس راجعا إلي المادة التي تراها أمامك .. وإنما يرجع إلي الروح التي لا
تستطيع أن تدركها إلا بآثارها .. فإذا خرجت الروح ذهب الحياة وأصبح الجسد رمة.

إذا كانت هذه الروح التي في جسدك .. والتي تعطيك الحياة لا تستطيع أن تدركها مع
أنها موجودة داخلك .. فكيف تريد أن تدرك الله سبحانه وتعالى .. كان يجب أولا أن
تسأل الله أن يجعلك تدرك الروح التي في جسدك .. ولكن الله سبحانه وتعالى قال إنها
من أمر الله .. واقرأ جل جلاله:

{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي
وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً "85" } (سورة الإسراء)

إذا كانت هذه الروح
هي مخلوقة لله لا تدركها .. فكيف تطمع أن ترى خالقها .. وانظر إلي دقة الأداء
القرآني في قوله سبحانه. "حتى نرى الله جهرة" .. فكلمة نرى تطلق ويراد بها العلم.
مثلا:

{أرأيت من اتخذ إلهه هواه } (من الآية 43 سورة الفرقان)

أي
أعلمت .. ولكن جاءت كلمة جهرة لتنفي العلم فقط وتطالب بالرؤية مجهورة واضحة
يدركونها بحواسهم. وهذا دليل على أنهم متمسكون بالمادية التي هي قوام حياتهم
..
نقول لهؤلاء إن سؤالكم يتسم بالغباء .. فأنتم حين تطلبون أن تروا الله جهرة.
والمفروض أن الله تبارك وتعالى له مدلول عندكم .. ولذلك تطلبون رؤيته لتقارنوا
المدلول على الموجود .. ذلك لو كانت القضية أصلا أن تعرفوا أن الله موجود أو غير
موجود .. والذي شجعهم على أن يقولوا ما قالوا .. طلب موسى عليه السلام من الله
سبحانه وتعالى أن يراه. واقرأ قوله تعالى:

{قال رب انظر إليك قال لن تراني
ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر
موسى صعقاً } (من الآية 143 سورة الأعراف)

ولابد أن نعرف أن قضية رؤية الله
في الدنيا محسوسة .. وأنه لا سبيل إلي ذلك والإنسان في جسده البشري .. لأن هذا
الجسد له قوانين في ادراكاته .. ولكن يوم القيامة نكون خلقا بقوانين تختلف .. ففي
الدنيا لابد أن تخرج مخلفات الطعام من أجسادنا. وفي الآخرة لا مخلفات. وفي الدنيا
يحكمنا الزمن .. وفي الآخرة لا زمن. إذ يظل الإنسان شبابا دائما .. إذن فهناك تغيير
.. المقاييس هنا غير المقاييس يوم القيامة في الدنيا بإعدادك وجسدك لا يمكن أن ترى
الله. وفي الآخرة. أنت الآن تعيش في أثار قدرة الله .. وفي الآخرة تعيش عيشة الناظر
إلي الله تبارك وتعالى .. وفي ذلك يقول الحق جل جلاله:

{وجوه يومئذٍ ناضرة
"22" إلي ربها ناظرة "23" } (سورة القيامة)

والإنسان في الدنيا قد اخترع
آلات مكنته من أن يرى ما لا يراه بعينه المجردة يرى الأشياء الدقيقة بواسطة
الميكروسكوب. والأشياء البعيدة بواسطة التلسكوب .. فإذا كان عمل الإنسان في الدنيا
جعله يبصر ما لم يكن يبصره .. فما بالك بقدرة الله في الآخرة .. وإذا كان الإنسان
عندما يضعف نظره. يطلب منه الطبيب استعمال نظارة .. فإذا ذهب إلي طبيب أمهر .. أجرى
له عملية جراحية في عينه يستغني بها عن النظارة ويرى بدونها .. فما بالكم بإعداد
الحق للخلق وبقدرة الله التي لا حدود لها في أن يعيد خلق العين بحيث تستطيع أن
تتمتع بوجهه الكريم.

ولقد حسم الله تبارك وتعالى المسألة مع موسى عليه
السلام بأن أراه العجز البشري .. لأن الجبل بقوته وجبروته لم يستطع احتمال نور الله
فجعله دكا .. وكأن الله يريد أن يفهم موسى .. أن الله تبارك وتعالى حجب عنه رؤيته
رحمة منه. لأنه إذا كان هذا قد حدث للجبل فماذا كان يمكن أن يحدث بالنسبة لموسى.
إذا كان موسى قد صعق برؤية المتجلي عليه .. فكيف لو رأى المتجلي؟ ..
والإنسان
حين يعجز عن إدراك شيء في الدنيا لأنه مخلوق بهذه الإمكانات يكون العجز عن الإدراك
إدراكا لأن العجز عن الإدراك هو في عظمة الله سبحانه وتعالى .. وقوم موسى حينما
طلبوا منه أن يروا الله جهرة أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون .. عندما اجترأوا هذه
الاجتراء على الله أخذتهم الصاعقة .. والصاعقة إما نار تأتي وإما عذاب ينزل ..

المهم أنه بلاء يعمهم .. والصاعقة قد أصابت موسى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة الرسول

{{ مصممة مبدعة }}


{{ مصممة مبدعة }}
عاشقة الرسول


انثى
المساهمات : 943
الجنسية : مسلمة و أفتخر
السٌّمعَة : 3
عدد النقاط : 1912
مزاجي : نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 7810

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 4 Icon_minitimeالإثنين 06 أبريل 2009, 01:53

(وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد
علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين
"60")

ومعناها: اذكر إذا استسقى موسى لقومه .. وهذه وردت كما بينا في عدة
آيات في قوله تعالى:

{وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب } (من
الآية 141 سورة الأعراف)

وقول سبحانه: {وإذ وعدنا موسى أربعين ليلةً } (من
الآية 51 سورة البقرة)

وقوله جل جلاله: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى
نرى الله جهرةً } (من الآية 55 سورة البقرة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير القرآن كاملا بالصوت والصورة للإمام الشيخ الشعراوي
» الشيخ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله
» كل ما سجل للقارئ محمد رفعت رحمه الله رحمة واسعه
» *** الإمام مالك - رحمه الله تعالى ***
» القرأن الشيخ محمد عمران

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عشاق النبي :: ~¤ô¦¦§¦¦ô¤~ القسم الاسلامي ~¤ô¦¦§¦¦ô¤~ :: منتدى القرآن الكريم و الحديث الشريف .-
انتقل الى: