افتتح الله سبحانه وتعالى سورة البقرة منوها بفضل
التقوى القائمة على اليقين فقال تعالى : ( آلم ذلك
الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما
أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك
على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) 0
فدل كلامه الكريم على أن أهل اليقين هم أهل الهدى والفلاح 0
ويقول السادة العارفون أن أهل اليقين على درجات ثلاثة :
الأولى - درجة الأصاغر , وهم المريدون والعوام , وهم الذين زال الشك من قلوبهم 0
الثانية - درجة الأوساط وهم الخصوص , وهم الذين تحققوا باليقين
وترقوا فيه من يقين إلى يقين حتى يصير اليقين لهم وطنا 0
الثالثة - درجة الأكابر , وهم خصوص الخصوص , وهم الذين يقطعون كل سبب
يحول بينهم وبين الله تعالى , ومن العرش إلى الثرى حتى يكون الله لا غير ,
ويؤثرون الله تعالى على كل شئ سواه , وليس لزيادة اليقين نهاية ,
بل كلما تفهموا وتفقهوا في الدين إزدادوا يقينا على يقين 0
وقدجاء اليقين في كتاب الله تعالى على ثلاث درجات :
علم اليقين , وعين اليقين , وحق اليقين 0
ولتقريب فهم هذه الدرجات قالوا إن علم اليقين هو أن تعلم
مثلا أن مكة المكرمة مدينة في الحجاز وبها بيت الله الحرام
الذي يحجه المؤمنون , فإذا ذهبت إلى الحجاز وجئت إلى مداخل
مكة بنفسك صرت في عين اليقين , فإذا سكنت مكة وتنقلت
فيها صرت في حق اليقين 0
فالمعرفة ثلاث درجات :
1- عقلية ونورها البرهان أو علم اليقين 0
2- قلبية ونورها البيان أو عين اليقين 0
3- كشفية ونورها العرفان أو حق اليقين 0
ويقول الامام القشيري رضي الله عنه :
علم اليقين كالنجوم يطلع عليها بدر عين اليقين ,
ولكن كل الأنوار تتبدد أمام شمس حق اليقين
ويقول رضي الله عنه أنه حين قال سيدنا ابراهيم
الخليل عليه الصلاة والسلام : ( رب أرني كيف تحيي
الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) 0
كان يطلب زيادة اليقين فأراد أن يقرن حق اليقين بما
كان حاصلا له من عين اليقين 0
ويقول الامام القشيري رضي الله عنه في لطائف الاشارات :
والإشارة من ذبح الطيور أن حياة القلب لا تكون إلا بذبح أهواء
النفس فمن لم يذبح نفسه بالمجاهدات لم يحيي قلبه بالله ,
وفيه إشارة إلى البعث بعد الموت فقد قال له قطع بيدك هذه
الطيور وفرق اجزاءها ثم أدعهن يأتينك سعيا , فما كان مذبوحا
بيد صاحب الخلة مقطعا مفرقا بيده فإذا ناداه استجاب له كل
جزء مفرق , كذلك الذي فرقه الحق وشتته فإذا ناداه استجاب ,
ولو أن فوقي تربة ودعوتني
لأجبت صوتك والعظام رفات